أقام الحاج عابد احتفالًا كبيرًا في منزله ، بعد عودة شقيقه بسام بعد أن انقطعت أخباره منذ أكثر من ثلاثين عام ، وكان رجل مسن يجلس في زاوية القاعة الكبرى للاحتفال يستنظر أسماع الفضولين الذين يريدون معرفة كل شيء ، عن ذلك الذي عاد فجأة .
كما ذكر ذلك الشيخ ، أن بسام قد اختفى بعد خلاف مع والده الذي كان يريد أن يزوجه ابنة عم له ، بينما بسام كان يريد الزواج من غيرها ، وكان في وقتها في الثالثة والعشرين من عمره .
وها هو الآن يعود ولعل ما فاجأ الحاج عابد ، أن شقيقه والذي يصغره بخمسة سنوات فقط لم يؤسس أسرة ، والتفاصيل الأهم في حياة بسام لن يعلم بها سوى شقيقه عابد ، وربما تسرب القليل منها إلى أبناءه ، الذين يُديرون تجارته عبر أسواق المنطقة .
وقد استقر بسام في بلدة عانى هناك فترة من الفقر والتشرد ، قبل أن يعمل في مقاولة للبناء ، وعمله ذاك أتاح له غرفة في سطح إحدى العمارات ، وكانت في رواية بسام لشقيقه الحاج عابد مناطق ظل كثيرة .
ربما تكون أسرار يحتفظ بها لنفسه ، ولكن ظل سؤال يُحير عابد من شقيقه ، وهو سبب عدم تحسين أحواله المادية طوال كل تلك السنوات ، خاصًة وقد ترقى في عمله وأثبت كفاءته وصار يتقاضى أجرًا أكبر .
الذين يصادفون العابد وشقيقه بسام يلاحظون ذلك الشبه الكبير بين الشقيقين ، ثم مع مرور الوقت لم يعد أمرهما يثير الاهتمام ، وكان بسام يرافق عابد من حين لآخر في رحلات عمله ، وقد لمس أن أشياء كثيرة قد تغيرت منذ أن غادر .
وفي يوم من الأيام قرر العابد شراء شاحنة مستعملة ، يسخرها في تجارته للتنقل بين الأسواق ، وقد علم من أحد التجار أن هناك سمسارًا في بيع الشاحنات معروفًا بجديته وأمانته في مدينة ، تبعد 200 كيلو متر عن تلك المدينة التي يسكن بها الحاج عابد .
فقرر الحاج عابد السفر للقائه ليحضر شاحنة مستعملة عن طريقه ، وقد طلب من بسام أن يرافقه ، ولكن بسام قد فاجئه بأنه لن يستطيع مرافقته ، إذ أنه لا يود الذهاب لتلك البلدة التي قضى بها ثلاثين عام من عمره وصفها بالمعاناة .
فرافق الحاج عابد أحد عمال متاجره ، حيث يعلم الطريق إلى تلك المدينة ، وكان الحاج عابد لديه عنوان ذلك السمسار ، وكان السمسار ينتظر وصولهما ، حيث اتصل به عابد قبل أيام وتحدث معه عن نوع وحجم الشاحنة التي يريدها ، وقد أبلغه السمسار بتوفر طلبه ، وما أن وصلوا المدينة حتى تقابل عابد مع السمسار ، وألقى نظرة على الشاحنة .
اشترط الحاج عابد على السمسار ، أن لا تتم عملية الشراء إلا بعد أن يتم عرض الشاحنة على مركز للفحص التقني ، وكان المركز التقني قريبًا من منزل السمسار ، ففضل الحاج عابد أن يذهب هناك سيراً على الأقدام ، للتمتع بأجواء المدينة الربيعية الجميلة ، وقاد السمسار الشاحنة إلى المركز التقني .
في الطريق وبينما يسير الحاج عابد مع رفيقه ، فوجيء بشخص يعترض سبيله ، وكان يبدو في مثل عمره وذات بنية قوية ، وقد تحدث مع الحاج عابد بلهجة تهديدية ، وقد أخبره إنه تعرف عليه رغم لحيته الطويلة ، لكن الحاج عابد لم يكن قد سبق له وأن رأى ذلك الشخص فظنه قد أخطأ في العنوان .
لكن ظل ذلك الشخص يهدد الحاج عابد ، ويصفه بأنه يحاول التنكر والتهرب منه ، لكن أقسم له الحاج عابد بعدم معرفته له ، ولكن أخيرًا سأله الرجل عن ما إذ كان هو بسام ، وكان لذكر اسم بسام وقع القنبلة المتفجرة على الحاج عابد ، وتعجب إذ عرف من ذلك الشخص لغز أخافه بسام لعدة سنوات .
ذلك اللغز هو الذي فك حيرة الحاج عابد حول بسام ، كيف لم يستطيع تحسين أحواله المادية طوال تلك السنوات ، وهو أنه كان ممارسًا للعبة القمار ، وقد تراهن مع ذلك الشخص على مبلغ 150 ألف ، وقد خسر بسام الرهان ولم يعطيه ذلك المبلغ وفر هاربًا ، وهنا عرف الحاج عابد حقيقة المعاناة التي وصفها شقيقه ، ولخص بها سنواته الضائعة في لعبة كانت كالنار الذي يأكل في الهشيم ، ولم يبقي معه أي مال .