يعمل العم خالد البالغ من العمر الخمسين عام ، في أحد المصالح الحكومة وقد أستقر في مدينة عمله ، منذ أكثر من خمسة وعشرون عاماً ، وقد تزوج ورزقه الله بأربعة أطفال أكبرهم يدعى رضوان ، ويبلغ من العمر السادس عشر .
وبدأت متاعب الأسرة مع رضوان منذ عام مضى ، ذلك الطفل الذي كان قدوة لأقرانه خلال المرحلة الابتدائية والمتوسطة ، بدأ في التعثر في المرحلة الثانوية ، أضطر والده لنقله إلى مدرسة جديدة ، لعله يستعيد إقباله على الدارسة ولكن لا شيء تغير .
فحسب العم خالد ربما ولده يعاني من مشكلة ما ، لا يريد الإفصاح عنها خاصة وقد أخبره أحد أصدقاؤه ، بأن ولده دخل سن المراهقة ومن سماتها ، نزعة التمرد على السلطة الأبوية ، وقد طمئنه ذلك الصديق بأن الفتى لن يلبث يستعيد توازنه النفسي ، بعد بضعة أعوام .
بدأ عام دراسي جديد ، وكان رضوان يذهب لمدرسته الثانوية ، على متن دراجته الهوائية وظل مواظباً خلال الثلاثة أشهر الأولى من السنة ، بل أن والديه لاحظا أنه يبذل مجهوداً وكان يطيل المكوث في غرفته ، وقام بزيارة لمدرسته الثانوية لتفقد أحوال ابنه .
كانت الخلاصة التي خرج بها ، من بعد لقاء مطولاً مع معلمين ابنه ، أن رضوان بحاجة لمزيد من الدعم بالرغم من النتائج التي حصل عليها ، تدفع إلى الاعتقاد انه في تحسن وكانت كبرى المشاكل التي يعاني منها رضوان ، هي ضعف مشاركته في المناقشات التي كانت تدار أتناء الدرس ، وأجمع الأساتذة أنه ربما يعاني من الخجل .
عاد خالد إلى منزله وجلس معه ولده ، وحاول أن يقوي ثقته بنفسه ، ولاقت محاولته تلك تجاوباً ، ولكن بعد بضعة أسابيع عاد نفور رضوان من المدرسة ، ثم توصل والده برسالة من إدارة المدرسة ، تخبره بتغيب رضوان لعدة أيام دون أي مبرراً ، وكان المطلوب منه أن يحضر إلى المدرسة .
في مساء ذلك اليوم عاد خالد من عمله وجلس في الصالون ، فجاء أطفاله الثلاثة وما لبث أن افتقد رضوان ، وأخبرته زوجته انه لم يعد منذ أن خرج إلى المدرسة ، ولم تكن من عادة رضوان أن يتأخر .
ولكن كان أحياناً يعرج على مقهى إنترنت بعد المدرسة ، لإجراء أبحات علمية يطلبها الأساتذة منه ، وكان يمكث فيها ساعة واحدة وكان يتصل بوالده ليخبره بذلك ، ففكر العم خالد بالذهاب إلى منزل صديق رضوان ، ويدعى علاء لعله يقيده في سبب تأخر رضوان للوصول إلى البيت .
وبينما هو يسير نحو بيت علاء ، تصور العم خالد أشياء كثيرة زادت من قلقه ، وكانت زوجته تجلس بجانبه في السيارة ، وقد لاذت بالصمت ولكن ملامحها كانت تنطق بمعاناة أم ، وصل العم رشيد إلى منزل علاء وطرق الباب وفتح له علاء .
وقد بدا مندهشاً ، فبادره العم خالد وقال : هل يوجد معك رضوان ؟ ، أكد علاء لوالد رضوان ، أنه حضرا معاً الحصة الأخيرة ذلك اليوم ، ثم غادر المدرسة فتساءل العم خالد إذ ما أخبره رضوان ، بالمكان الذي سيذهب له بعد المدرسة ، فبدا علاء متردداً بل أن العم خالد قرأ في عينه بعض الخوف .
قال علاء أن رضوان ارسل له رسالة إلكترونية ، في عصر ذلك اليوم وبعد أن افترقا ذلك اليوم وأكد له أنه يريد أن يتوجه لمدينة مجاورة ، وما سمعه العم خالد كان له دوي القنبلة وكاد يجن ، وبنظرة لا تخلو من العصبية شكر علاء ثم أنصرف .
بالنسبة للعم خالد لم يكن لدى ولده رضوان ، مبرراً واضحاً للرحيل فقد كان يوفر له كل سب الحياة الكريمة ، بل كان يحرص على العدالة بينه وبين إخوته ، وكان يشجعه على ممارسة الرياضة ، وكان يقينه أن ممارسة المراهق للرياضة ، تعصمه من الإدمان وشرب السجائر ، ومن أشياء أخرى .
مرت ثلاثة ساعات ظل فيها العم خالد يبحث في شوارع البلدة ، عن رضوان لعله يجده قبل الرحيل لكن دون جدوى ، فأعاد زوجته إلى المنزل وخرج يبحث عن ولده حتى الساعة ثانية صباحاً ، وتوقف بالسيارة قليلاً ما أن لمح شخصاً يديره ظهره يرتدي معطفاً داكناً ، وله نفس قامة ابنه رضوان .
أسكت العم الخالد محرك سيارته ، فحاول ذلك الشخص أن يهرب من أمام السيارة فأسرع العم خالد وصاح : رضوان ، رضوان توقف ، فتوقف ذلك الشخص فلحق به وامسكه من كتفه ، وآذ به هو رضوان وكان خافضاً لرأسه ولم ينطق بكلمة .
وظل العم خالد ممسكاً به حتى بلغ السيارة ، أركبه وأنطلق ولم ينطق بأي كلمة لعله لم يجد كلمة تعادل البركان الذي كان يغلي بداخله ، وعندما وصل إلى المنزل كان الجميع قد ناموا إلا أم رضوان ، ولما دخل عليها عانقته بحرارة.
كانت تقول له ودمعها ينزل منهمراً : ما الذي دفعك للتفكير في الرحيل ؟ ، ولكنه ظل صامتاً ، وكان يبكي هو الأخر ، جلس العم خالد مع رضوان ، في غرفته وسأله : لماذا فعلت ذلك يا رضوان ؟ ، كرر العم خالد سؤاله تلك ، مرات عديدة ثم اخيراً نطق الفتى وقال : لا أريد أن أذهب إلى تلك المدرسة .
لم يسأل العم خالد ولده عن تفاصيل يومه ، ولكن علم من رضوان أنه نجا بأعجوبة من مجموعة من المنحرفين ، حاولوا الامساك به ، فعلم العم خالد في تلك اللحظة أن مشكلة رضوان ، تتطلب عرضه على طبيب مختص في علم النفس ، بل وعلم أن المشكلة التي يعاني منها رضوان ، تكمن في الخوف من الامتحانات ، وذلك لان نفور رضوان من المدرسة ، يظهر عند اقتراب الامتحانات .