حدثت هذه القصة في أحد الأراضي العربية والتي ابتلاها الله بالاحتلال ، وكذالك ابتلاها الله ببعض أبناءها قساة القلب ، لا يمتلكون أي رحمة أو مشاعر ، والذين استغلهم الاحتلال وحولهم إلى أسلحة يضرب بها صدر الوطن ويعذب بأيديهم أبناء الوطن .
بطل قصتنا اليوم يطلق على نفسه الكولونيل ، نزيل أحد دور رعاية كبار السن ، مريض بالضغط والسكر والقلب ، كبر سنه وهزل جسده وفقد القدرة على الحركة أو خدمة نفسه ، لكن الله ترك له لسانه صاحيًا واعيًا لكي يتحدث من حوله عن الجرائم التي ارتكبها .
وترك الله له ذاكرته سليمة ليتذكر الفظائع التي فعلها ومارسها ، وكذالك كان عقله سليمًا حتى يربط بين ما فعله قديمًا وبين ما يشعر به الآن ، كان يعلم أن جميع من يعرفه يتمنى موته ، حتى أولاده وزوجته وأقاربه المقربين .
كان الجميع يكرهه بلا استثناء حتى دون أن يعرفوا ما فعل من فظائع في شبابه ، كانوا يكرهونه لشيئًا ما يدفعهم لذلك لا يعلمه إلا الله ، كان الجميع يتمنى موته سرًا وعلانية ، وكان يعلم هذا ، ويدرك أن ما فعله هو سبب كل ما يحدث له الآن .
تطوع الكولونيل لخدمة الاحتلال الذي اغتصب وطنه ، وكان يقود الشرطة المحلية ، وكان الاحتلال يستخدمه من أجل التعرف على المجرمين أو دفع المشتبه بهم للاعتراف ، فكان الكولونيل يعذبهم بطرق مختلفة ، طرق ابتكرها بنفسه يرغم بها الناس حتى يعترفوا بأي شيء .
كان يعذبهم ويشوه وجوههم ويضربهم إلى الحد الذي يعجزوا عن استخدام أطرافهم في أي شيء ، يعذبهم حتى يعترفوا بأي شيء يريد هو أو يريده الاحتلال ، بعدها يسوقهم إلى المحكمة لينالوا عقاب على شيء على الأغلب لم يرتكبوه .
كان يعلم أنه يسوق أبرياء إلى القتل أو إلى السجن ، وكان يدرك أن الأبرياء الذين يعذبهم لم يقترفوا شيء ، ولكنه كان ينفذ أوامر أسياده ، انتهى الاحتلال ورحل المحتلون ، وتركوا الكولونيل يواجه المجتمع وأسرته بما فعل ، يواجه عذاب الله وعقابه وحده .
كان يقضي يومه نهارًا دون أي ألم أو شكوى ، ولكن حين يأتي الليل كان يشتد عليه الألم والعذاب يشعر بأن جسده يتقطع ، لا يتحمل أن يجلس وحيدًا ، كان يخشى الوحدة فيستدعي أي من المرافقين بدار العجزة أو الممرضات أو الأطباء ، وحين يأتون إليه لا يطلب منهم شيء .
ينصرفون من غرفة الكولونيل ولكنه يعود ليطالب بوجودهم من جديد ، حتى وإن جلس معه أحدهم ينسى من شدة الألم فيعود ليضغط على زر الاستدعاء ، ويصرخ طالبًا أي شخص معه ، يتصور أي شخص يراه أن هذا الرجل لن يكمل إلى صباح اليوم التالي .
وكان كل ما لديه صوته الذي يصرخ به ، ويتعرف به لكل من يقابل أن ما يحدث معه هو انتقام إلهي ، انتقام إلهي نظير ما كان يفعله بالمعتقلين الكثر ، الذين مروا في حياته ، كان يدرك أن وجوده في الحياة فقط ليتذوق العذاب الذي سببه للآخرين .
سنوات بقي فيها الكولونيل على هذا الوضع يصح تمامًا نهارًا ويتعذب ليلًا ، ويردد أنه يتعذب ليلًا لأنه كان الوقت المفضل له في تعذيب المعتقلين ، في صباح أحد الأيام الشتوية الباردة دخلت الممرضة المسئولة عن حالة الكولونيل إلى غرفته فوجدته ميتًا ، وهو يضع يده على زر الاستدعاء ويبدو على وجهه علامات الفزع الشديدة .
رفض أولاده وأهله زيارته ، ولم يحمله إلى المقبرة إلا العاملين بالدار ، والذين انصرفوا على الفور بعد أن دفنوه ، ويقال أن أسرته تراه في الأحلام يتعذب ويصرخ بأيدي الكثير من الناس الذين يعتقدون أنهم ضحاياه .