كان عمر الصغير يجلس أمام شاشة التلفاز مجاورًا لوالده ، يشاهدان سويًا مباراة لكرة القدم ، ويستمعان إلى تعليقات المعلق الرياضي ، وهنا سمعه عمر يصيح باللاعب ، هيا يا ماجد بسرعة يجب عليك أن تكون متعجلاً لمثل تلك الركلات ، فانتبه عمر إلى هذا الحديث واستدار يسأل والده .
واستفسر منه كيف يمكن أن يقول له والده دائمًا ، أن في التأني السلامة ، في حين يصيح هذا المعلق بأن السرعة والتعجل مطلوبان ، فكيف هذا وهل من المعقول أن نتعجل في أي أمر؟ فأجابه والده وهو يربت على كتفيه ، أن اللاعب لن يسمع صياح المذيع هذا ، والأمر كله لا يعد كونه إثارة للحماس وليس أكثر ، وإنما الصحة في عدم التعجل والتأني الذي يحقق الفوز العظيم ، فلم يقتنع عمر الذي كان دائم التعجل بطبيعته ، ولا يرغب في التأني ، وينتظر إجابة تتلاءم مع عجلته تلك .
عقب مرور بضعة ساعات ، طلبت والدة عمر بعض الأشياء من المحل التجاري لقريب ، فوافق عمر على الفور وتهلل وجهه فرحًا ، فهو سوف ينطلق بدراجته التي اعتاد أن يندفع بها مسرعًا لقضاء أي طلب للمنزل ، ولكن لاحظ والده تعجله هذا ، وطلب منه أن يسير بتأني ففي التأني السلامة ، فأومأ عمر برأسه ولكنه لم ينفذ مطلب والده للأسف .
اندفع عمر بدراجته ، ولم يلحظ أن الإطار الخلفي لها به مشكلة ، وأن الهواء كان قد فرغ من الإطار ، فانطلق بها يجوب الشوارع وهو مندفع بشدة ، ولم ينتبه إليها سوى بعد أن تمزق الإطار تمامًا نتيجة سرعته ، وصارت الدراجة تسير على الحديد الداخلي ، فوقف عمر يفكر فيما سوف يفعل في تلك الورطة ، فلم يجد بُدًا من حمل دراجته والعودة بها إلى المنزل .
وأخذ يتصبب عرقًا نتيجة هذا المجهود الشاق ، وما أن رآه والده حتى قال له يا بني في التأني السلامة ، وأنت لا تستمع إلى النصائح ، وأخذ يصلح الدراجة مع عمر ، الذي ما أن وجد دراجته قد عادت إليه مرة أخرى ، حتى أصر على الذهاب إلى السوق ، وشراء ما أرادت والدته منه ، فوافق والده على مضض وهو يخبره ألا يتسرع .
لم يكترث عمر إلى ما حدث من قبل ، وأخذ دراجته منطلقًا بها في سرعة جنونية بين ال سيارات ، وكاد أن يصطدم بإحدى السيدات لولا أنها صعدت إلى الرصيف ، فارتطم به عمر وسقط ، فساعدته السيدة على النهوض ، وحاولت أن تسعف جروحه إلا أنه شكرها وانطلق مسرعًا مرة أخرى !
لم تمر سوى لحظات قلية ، حتى سمع كل من بالطريق صوت فرامل سيارة ما ، وكأنها تحاول أن تفادي حادث سير محتوم ، وبالفعل كان أحد الأشخاص يقف بسيارته ، وسط الطريق بعد أن استطاع عدم الارتطام بعمر ، الذي انقلبت دراجته على الجانب المقابل من الرصيف ، ونهره الرجل على سرعته الجنونية وحمد الله أنه لم يحدث له مكروهًا ، ويا ليت عمر تعلم من تجربته ، بل لم ينتظر أن تسمح له إشارة المرور ، بالعبور ومر من خلال السيارات ، فصدمته إحدى السيارات التي جاءت مندفعة بسرعتها ، ولولا استطاعة سائقها أن ينحرف قليلاً ، لكان صدم عمر بشدة .
الفتى المتهور ظل على سرعته ، ودخل إلى السوق يشتري ما طُلب منه ، ولكنه فوجئ بعدم وجود نقوده ، فصاح أن نقوده سرقت ، وخرج يبحث عن دراجته فلم يجدها ، وأخبره شرطي المرور أنه لم يضع دراجته في المكان المخصص للدراجات ، فاضطر الشرطي لسحبها من الشارع الرئيس .
أخذ عمر يلعن تعجله ، وأيقن أن في التأني السلامة ، وهنا ساعده أحد الأشخاص في توصيله إلى المنزل ، وعندما عاد وروى لوالده ما حدث ، قال له يا عمر في التأني السلامة ، أنت تعجلت فلم تحصل على النقود من الأساس ، والآن فقدت دراجتك بسبب تهورك ، لا تتعجل شيئًا يا بني ، فاعتذر منه عمر وأخبره أنه لن يتعجل ، مرة أخرى أبدًا .