إذا ما تفكرنا بأكبر الكنوز التي نملكها ، قد لا نذهب بفكرنا إلى الأمور المعنوية ، مثل الأخلاق والقيم والمبادئ ، فكلها أمور معنوية لا تُرى بالأعين ، ولكن من امتلكها فكأنما امتلك الدنيا وما فيها ، وفتح الله له بها طريقًا منيرًا للآخرة .
في أحد أيام العطلة المدرسية ، جلس يامن يقرأ كتابًا كان قد أحضره له والده ، في عيد مولده الفائت ، وبدأ يتطلع ويقفز عبر صفحاته في شغف شديد ، فالقراءة هوايته وكنزه الأثمن ، وبينما يتجول يامن في صفحات الكتاب ، حتى وجد في إحدى الصفحات ، خارطة كبيرة تشير إلى وجود كنز ثمين ، فتهلل وجه يامن وصاح مبتهجًا ، أنه سوف يسعى للبحث عن هذا الكنز الثمين ، وسوف يعيش أيضًا الكثير من المغامرات الجميلة .
وفي صباح اليوم التالي ، انطلق يامن في طريقه وبحوزته الخريطة التي وجدها داخل الكتاب ، في رحلة بحث طويلة عن الكنز الثمين ، وعقب مرور بضعة ساعات كان يامن قد وصل إلى إحدى الغابات القريبة ، ذات الأشجار الكثيفة وهناك قابل الأسد ، وكما نعلم فالأسد ملك الغابة ، وأقوى حيواناتها ففكر يامن قليلاً ، ثم تحدث إلى الأسد وسأله إن كان يريد الذهاب ، للبحث عن الكنز الثمين برفقته ، فصمت الأسد وفكر ثم أجابه أن نعم ، وبالفعل استكمل يامن طريقه وهو يسير جنبًا إلى جنب إلى داخل الغابة ، وبدأ يحدث نفسه قائلاً والله لولا الأسد لما كنت دخلت ، إلى هذا المكان المعتم كثيف الأشجار .
أخيرًا وبعد رحلة شاقة ، وصل يامن ورفيقه الأسد ، إلى منطقة جبلية تبرز فيها الصخور الحادة الكبيرة ، وهناك التقى يامن والأسد بصديقهما النسر ، وهنا تحدث إليه يامن وأخبره بأن له عينان ثاقبتان ، وطلب منه أن يرافقهما في رحلة البحث عن الكنز الثمين ، وطلب منه أن ينبههما إلى أي خطر يقترب منهما ، إذا ما رآه من الأعلى بنظره الثاقب ، فوافق النسر وانطلق الثلاثة ، يستكملون طريقهم نحو الكنز الثمين .
كان النسر يحلق عاليًا ، ويحاول إرشاد صديقيه عن أسهل الممرات الجبلية ، التي يمكنهما أن يسلكاها وقد كاد الأسد أن ينزلق ، عن الحافة الجبلية مرات عدة نظرًا لوعورتها ، بعد عناء دام لبضع ساعات ، استطاع الأصدقاء الثلاثة إن يصلوا إلى منطقة سهلية خضراء ، قابلوا فيها نعجة جميلة الشكل ، فأخبرها يامن عن وجهتهم للبحث عن الكنز الثمين ، وطلب منها أن تذهب برفقتهم للبحث عنه ، وأنهم سوف يحتاجون إليها عما قريب .
فهي تملك صوفًا دافئًا ، وفي القريب سوف تهب عاصفة باردة ، ستجعلهم أحوج ما يكون إلى صوفها ، حتى لا يمرض أحدهم أثناء الرحلة ، فوافقت النعجة الجميلة وسار الأصدقاء الأربعة نحو هدفهم ، وبالفعل هبت العاصفة واختبأ الجميع في صوف النعجة الجميلة ، وشعروا بالدفء معها ، حتى مرت العاصفة .
عقب أن انتهوا جميعًا من السهل الأخضر ، وجد الأصدقاء أنفسهم أمام صحراء واسعة ، وهناك التقوا بالجمل فتحدث إليه يامن ، وأخبره أنهم في طريقهم للبحث عن كنز ثمين ، وسأله إن وافق على مشاركتهم رحلتهم ، فهو مشهور بأنه سفينة الصحراء ، ويستطيع عبورها ببساطة تسهل على رفاقه ، مشقة وعناء الرحلة ، فوافق الجمل وركب الأصدقاء جمعًا أعلى ظهره ، ورافقهم النسر محلقًا من السماء ، وانقضت رحلتهم بالصحراء ليجدوا ، أمامهم نهرًا وشاهدوا السلحفاة تقف بالقرب منه.
فسألها يامن إن وافقت أن تأتي معهم للبحث عن الكنز الثمين ، على الضفة الأخرى من النهر ، وطلب منها إرشادهم للمكان الصحيح فأخبرتهم بشأن زورق مائي فركبوه جميعًا ، حتى وصلوا إلى الجانب الآخر من النهر ، حتى وجدوا أنفسهم في واحة خضراء ، واستقبلتهم فيها البومة وهي مبتسمة لهم .
قالت البومة أهلاً بكم ، أنتم الآن قد وجدتم الكنز الثمين الحقيقي ، فسألوها بدهشة ولكن أين هو ؟ فإجاباتهم منذ أن قررتم قضاء الرحلة سويًا ، وعبرتم معًا الغابة والصحراء والسهل ، والجبال الموحشة وتحديتم البرد ، بكل شجاعة وتعاون منكم جميعًا ، ولم يسبق لأحد أن فعل هذا العمل ، مثلما فعلتم سويًا حيث سادت بينكم ، المحبة والألفة والصداقة الحقيقية ، وأصبحتم أصدقاء وهذا هو الكنز الأكبر في الحياة ، فالصداقة الحقيقة الخالصة هي أنقى وأثمن أنواع الكنوز .