حين كنت صغيرًا ، كانت أمي تحكي لي قصصًا مصوره للأطفال ، كنت أفهم القصة وأتخيلها جيدًا ، وأعيد حكايتها حين تطلب أمي ذلك ، كنت أحيانا أحاول أن أقرأها كما تفعل أمي ، ولكني لا أقدر فأتضايق كثيرًا ، وكانت أمي تطمئنني قائلة : انتظر .. ستتعلم القراءة حين تذهب إلى المدرسة .
المدرسة والتعلم :
كبرت وذهبت إلى المدرسة ، تعلمت القراءة والكتابة ، وصرت أقرأ كل شيء بنفسي ، وانفتح أمامي عالم واسع ، واسع جدًا لا حدود له ، تعلمت أيضًا لغة ثانية أجنبية ، غير لغتي العربية ، أقرأ بها قصصًا ومجلات ، وبهاتين اللغتين صار عالمي أوسع ، كثير التنوع ، ومتعدد الآفاق .
الحاسوب :
تعلمت أيضا استخدام الحاسوب ، وصار الحاسوب مصدرًا جديدًا لمعلوماتي ، أحصل منه على معارف كثيرة ، تضاف إلى تلك التي تزودني بها الدروس ومطالعة الكتب ، أدخل بالحاسوب ، إلى مواقع كثيرة في شبكة المعلومات ، أحبها إلى نفسي الموسوعات ، تلك المتعلقة بالفضاء والأرض والأنواع البشرية ، كما أتعرف إلى أصدقاء يتكلمون لغتي العربية ، وتلك اللغة الأجنبية ، في أنحاء مختلفة من العالم ، أطفال عرب وأجانب لم أرهم في حياتي .
سكان بلدان أخرى :
إنهم يعيشون في أماكن بعيدة عني ، مختلفون في عاداتهم وفي أسلوب حياتهم ، ولكننا نتبادل الأفكار ، نتحاور ونشعر بالمودة ، ودائمًا نأمل في أن نلتقي يومًا .
مارد مصباح علاء الدين :
مرة قلت لأمي : بهاتين اللغتين ، أنا الآن في قلب العالم ، ضحكت أمي ثم قالت : صحيح ، كل لغة تتعلمها تنبت لك جناحًا يأخذك إلى أنحاء العالم ، قلت : كأن كل لغة أتعلمها تحضر كل العالم وتضعه بين يدي ، كأنها مارد مصباح علاء الدين ، أفركه فيظهر ، وآمره فيحضر لي مايريد ، ويضعه بين يدي .
نافذة على العالم :
ومرة تساءلت وأنا أستمع إلى ببغاء ، تتكلم في قفصها وتثرثر : هل تمنحها اللغة كما تمنحني ، نافذة تطل بها على العالم ؟ ولكنني أدركت فيما بعد أن الببغاء ، تقلد الأصوات التي تسمعها وحسب ، وإنها لا تدرك معناها كما يحدث معنا ، وأيقنت أن اللغة ليست مجرد أصوات نسمعها ، إنها معان ندركها ونفهمها أيضًا .
أول لغات على وجه الأرض :
عرفت فيما بعد من دروسي ومطالعتي لتاريخ البشرية ، وزيارتي للمتحف الوطني ، ودخولي لمواقع متخصصة عديدة ، عرفت حقيقة رائعة ! أدركت أن أول اللغات التي ظهرت على وجه الأرض ، ظهرت على أرضنا ، أبدعها الانسان القديم في بلادنا العربية ، منذ آلاف السنين ، اللغة الهيروغليفية في مصر الفرعونية ، والسومرية في العراق ، والأوغاريتية في سوريا ، لغات كتبها أجدادنا القدامى على لوائح الطين المشوي ، أو جدران المعابد ، أو ورق البردي ، قبل اكتشاف الورق كما نعرفه اليوم ، وقبل ظهور المطابع .
عمري آلاف السنين :
هزتني هذه الحقيقة وأفرحتني ، شعرت بالاعتزاز الشديد ، ورأيت نفسي فتى مميزًا جدًا ، فتى له عمر مديد ، يبدأ منذ آلاف السنين ، ولكنني في الوقت نفسه ، أمتلك أجنحة أطير بها إلى كل أنحاء العالم ، وأنطلق إلى المستقبل متخطيا زمانى ومكاني ، أليست هذه الحقيقة رائعة ؟!