في قديم الزمان عاش الشقيقان ، منصور وياسر وهما يعملان بصيد الأسماك ، وكل لكل واحد منهما قارب خاص به ، يعمل عليه بالصيد ، فكان من نصيب منصور القارب الصغير ، بينما حظى ياسر بالقارب الأكبر حجمًا .

كان منصور هو الشقيق الأصغر ، وكان من صفاته أنه طيب القلب وعطوف للغاية ، يساعد الفقراء والمساكين وكبار السن ومن هم في حاجة ، ويقدم لهم السمك دون مقابل ، بينما كان ياسر يتسم بغلظة القلب وشراسة الطبع ، وكان دائم السخرية من شقيقه لأنه يقدم الأسماك للفقراء والمحتاجين دون أن يحصل منهم على المقابل ، وكثيرًا ما نعت شقيقه بالأحمق لهذا السبب ، فكان منصور الحنون يرق قلبه إثر سماعه لهذا الحديث ، ويقول مشفقًا على الفقراء أن ليس لديهم مالاً ، فمن أين يأتون به ليأكلون .

ولا يسمع من شقيقه ياسر سوى أنه ليس مسئولاً عنهم ، فيجبيه منصور بأن الناس أشقاء بالفطرة ، وأن الفقراء لهم حقوقًا على من حولهم ، وهذا ما أوصانا به ديننا الحنيف ، فيصر ياسر على موقفه أكثر من قبل .

كان منصور وياسر يخرجان للصيد كل يوم ، فيعود منصور وقد امتلأ قاربه الصغير عن آخره ، بينما يعود ياسر بكمية قليلة لا تكفيه هو وأسرته ، وينظر لشقيقه منصور بغيظ شديد ، فهاهو يأتي أسرته بما يكفيهم ويوزع ما يفيض على الفقراء حتى تمتلئ بطونهم .

وكان ياسر يطلب من شقيقه ، أن يعطيه هذا الفائض من الأسماك فيجيبه منصور بأنه ليس محتاجًا أو مسنًا لا يستطيع العمل ، أما هؤلاء الفقراء والمساكين لا يملكون شيئًا .

وفي إحدى الأمسيات ، جاء شيخ عجوز إلى منصور وطلب منه ، توصيله إلى الجانب الآخر من النهر وأخبره أنه سوف يعطيه ما يشاء من القمح ، فأجابه منصور بأنه لن يأخذ سوى ثلاثة أقداح من القمح فقط ، وكان ياسر على مقربة منهما ، وقال للشيخ هيا إلى قاربي يا شيخنا فهو أكبر حجمًا ، ولكن أعطني من القمح ما أريد ، فتفرس الرجل في ملامح ياسر ، ثم قال له بل سأركب مع هذا الشاب ، وأنت خذ تلك الصرة من المال ، والحق بنا نحو الجزيرة في وسط البحر .

وانطلق القاربان يشقان مياه البحر ، وما أن وصلا إلى الجزيرة حتى انبهرا بما وجداه ، فقد كانت الجزيرة مزدانه بالفواكه والأشجار والأزهار اليانعة ، التي تملأ الجو بعطرها ، وتنطلق أعلاها العصافير والطيور في مشهد جميل للغاية ، وهنا أشار الشيخ إلى منزل كبير على الجزيرة ، وطلب من الشقيقين الدخول واستضافتهما ، وهنا دخل الشقيقان ليفاجأ كل منهما بكميات كبيرة للغاية من القمح ، تملأ الغرف .

هنا طلب الشيخ من الشقيقين ، أن يأخذ كل منهما ما يرغب من القمح ، فأخبره منصور أنه لن يأخذ سوى ما اتفق عليه مع الشيخ ، بينما ياسر أخذ يملأ قاربه عن آخره وقال للشيخ ، ليت قاربي أكبر من هذا لكنت حملت عليه ، أكثر من هذا فأجابه الشيخ كانت أتمنى بأن ترضى بما قسمه الله لك .

ودع الشقيقان الشيخ وانطلق كل منهما نحو قاربه ، وكان قارب منصور يسير بسلاسة وهدوء على سطح الماء ، بينما أخذ قارب ياسر يهبط ، كثيرًا ليقترب الماء من حافة القارب ، مما دفعه إلى إلقاء نصف القمح في المياه ، وعلى الرغم مما فعل ياسر ، إلا أن الخوف كان قد تملكه فأخذ يلقي ما تبقى لديه من القمح بالمياه ، حتى لم يبق حبة واحدة .

وصل الشقيقان إلى الشاطئ بعد رحلة في البحر ، وأخذ منصور يربط قاربه وأخذ أقداح القمح ، بينما وقف ياسر يتميز غيظًا وقال لشقيقه ، هنيئًا لك بأقداحك الثلاثة ، فأجابه شقيقه أنه كان يمكنه الحصول على مثلهم لولا طمعه ، فأجابه ياسر كيف كان له أن يترك كل هذا القمح ، ولكن منصور أخبره أن هذا الطمع هو ما أحال جهده ، إلى هباء ويضيع ما يجمعه الإنسان ، وهذا ما حدث معه بل أن ياسر هو من ألقى ، بكل جهده وما جمعه من قمح بالماء بيديه ، فأجابه ياسر بحزن ، أنه بالفعل كان طامعًا ولو كان ارتضى بما قسمه الله له ، لكان سعيدًا الآن بما جمع ولبقي معه القليل .

By Lars