تلك قصص الفنان الشعبي محمد حرب المعروف باسم أبي صبحي التيناوي فقد نشأ الفنان في دمشق ولكن لوحاته وصلت لأوروبا وأمريكا ، مارس التيناوي فن الرسم على الزجاج وهو فن شعبي معروف في دول البلقان وتونس واستوحى مشاهده من القصص الشعبية والقصص الدينية ، عندما ولد الصبي منذ أكثر من 100 عام في حارات الشام القديمة ودعوه بمحمد قدوة بالنبي صلّ الله عليه وسلم .
توفي أبوه أثناء صغره فتزوجت أمه رجل يدعى التيناوي وعاش في كنف دارهم فسمي التناوي ، وعاش مع امه وزوجها حتى شب وتزوج وأنجب سبعه أولاد ، وكنى بأبو صبحي وعمل في عدة مهن وتمكن من شراء دكان صغير ليبيع فيها أدوات المطبخ وفي أحد الأيام مر عليه أحد الأقارب وهو شيخ فارسي الأصل فنزل عنده بضعه ايام قبل أن يتابع طريقه حاج لبيت الله الحرام في مكه المكرمة .
وحمل الفارسي لأبي صبحي هديه رائعة وكانت عبارة عن لوحة زجاجية رسم عليها البطل عنترة بن شداد ممطيا حصانه الأبيض فأعجب أبي صبحي بلوحه عنترة وكبر الله عند رؤيتها ، ثم وضعها في غرفة الجلوس وانصرف يتأملها فسأله الفارسي أتحب عنترة ، فقال نعم كم سمعت سيرته من فم الحكواتي ، وقال من رسم هذه الصورة فقال الفارسي انها من صنع اليد فإذا أردت علمتك كيف ترسم مثلها ، وهكذا كان .
وفي صباح اليوم التالي اشترى الرجلان بضع قطع من الزجاج ودهانات وباشر العمل في الحال ، فاتقن أبي صبحي بعد الجهد بعض مبادئ الرسم على الزجاج ، واستطاع ان ينسخ صورة عنترة التي أحبها ، وبعد ايام سافر الفارسي متابع رحلته ، أما ابي صبحي فقد حمل أدواته إلى الدكان وشرع في نسخ صورة أخرى من صورة عنترة ذاتها ، وبينما هو يرسم وجه الحصان ، لاحظ أن له عين واحدة فاندهش ابي صبحي ولم يعلم أنه عندما يرسم من الجانب فإن عين من الاثنين تكون غير مرئية .
واعتقد أن الفارسي قد نسي أن يضع العين الأخرى ، فقام بوضعها على جبهه الحصان ، وتابع أبي صبحي موضوعه معالج موضوعات من قصص الأنبياء والسيرة الشعبية ، وكانت الناس تمر بدكانه ولا يعنيهم ما يعمله ، حتى مر بائع انتيكات ، يدعى السيد عبيد فعجبته الرسوم وعرض عليه أن يسوق له انتاجه .
فوافق أبي صبحي بالعرض ودرت العملية عليه ربحًا لا بأس به ، وقامت بين الرجلان صداقة وود عميقان ، ومرت السنوات وتعدى أبي صبحي سن السبعين ، وذات يوم مر السيد عبيد عليه مصطحب كعادته سائحين ليشتريا لوحة ، فعرضا عليهم بكل فخر صورة عنترة فأخذ السائحان الصورة وتأملها وانتبه للطريقة التي رسم بها الرجل عيني الحصان ، فتحاكى وتضاحكا بينما بقي أبي صبحي أمامهما لا يفقه لغتهما فغضب من ذلك ، وذهب لصديقه ويقول له ماذا يقولان فقال له يقولان أنك ترسم مثل بيكاسو.
وقال ومن هذا بيكاسو واعتقد ان السيد عبيد يأخذ الزبائن له وانه يقاسمه رزقه ، فغضب وقال له بعد العشرة تركتني وحاول أن يقنعه ان بيكاسو رسام اسباني وانه لا يصور على الزجاج ولم يطأ أبدا ارض الشام ولكنه لم يقتنع وظلت الحال هكذا بينهما مدة حتى اجتمع بعض وجهاء الحي وأصلحوا بينهما مقنعين أبي صبحي أن السيد عبيد لم يخنه أبدًا .