كان لأحد الفلاحين حديقة كبيرة عني بها عناية تامة ، واجتهد في ترتيبها وتنظيمها وإروائها وتسميدها ، فأثمرت كثيرًا وربح منها كثيرًا ، وقد عرف الرجل أن أبناءه الثلاثة يكرهون الزراعة ويحتقرون فلاحة البساتين ، وكان غرضهم أن يتعلمون شيئًا أخر يغتنون منه بسرعة .
وحينما كبر الأب وأحس بقبل انتهاء حياته دعا أبناءه الثلاثة وقال لهم ، يا أبنائي الأعزاء لقد تركت لكم ثروة كبيرة من الذهب وضعتها في قدر كبير وأخفيتها في أرض الحديقة فبعد موتي أحفروا الأرض وابحثوا عن هذه الثروة إذا كان لكم رغبة فيها ، وقد حاول الأبناء الثلاث أن يذكر لهم أبوهم المكان الذي وضعت فيه هذه الثروة الذهبية أو حتى يبين لهم الجهة التي أُخفيت فيها فلم يجبهم إلى رغبتهم .
مات الأب فخزن أبناءه لموته حزنًا شديدًا وبعد أيام ذهبوا إلى الحديقة ومعهم الفؤوس لكي يبحثوا عن الثروة الذهبية التي خبئها أبوهم في الحديقة ، ولما كانوا لا يعرفون المكان الذي وُضعت فيه هذه الثروة فاتفقوا على أن يقومون بحفر أرض الحديقة بأكملها ، وتقليبها من أولها إلى أخرها حتى يجدون الكنز وأخذ يحرثون الأرض كل يوم واستمروا عدة أسابيع ، وكلما أتموا جزءًا انتقلوا لجزء أخر حتى أتموا تقليبها كلها من أولها إلى أخرها .
ولم يتركوا شيئًا بغير بحث ولا تنقيب فبحثوا حول الأشجار ، وما حولها من الأرض وأصبحت الحديقة نظيفة خالية من النباتات الغريبة ، والأعشاب والحشائش ولكنهم بعد هذا التعب المستمر والعمل الشاق لم يجدون الثروة الذهبية التي يبحثون عنها تحت أرض الحديقة فظنوا أن والدهم كان يمزح معهم ، وتألم الأبناء الثلاث لأنهم عملوا كثيرًا وتعبوا كثيرًا ولم يجدوا أثرًا لعملهم فتأثروا وضاقت صدروهم .
وفي الوقت التي أثمرت فيه أشجار الحديقة ونمت الثمار ، وجد الأبناء الأشجار قد أنتجت محصولًا كبيرًا لم تنتجه من قبل ورأوها مملوءة بالفواكه الكبيرة ، ولا عجب فتقليب الأرض والعناية بها وتنظيفها من النباتات الغريبة ، كان سببًا في كثرة المحصول ومضاعفته ، وكذلك جودة نوعه وكبر حجمه .
فطالبوا تجار لشراء ثمار الحديقة فشراها بمقدار كبير من الذهب ، وتسلم الأبناء منه الثمن ، فوجودا أنه يملئ قدرًا ، ورأي الأبناء كثرة المحصول وكثرة ما أخذه من الذهب ففهموا في الحال ما قصده أبوهم بحكمته وتفكيره حينما قال لهم لقد تركت لكم ثروة ذهبية في الحديقة ولن أخبركم عن مكانها فحفروا الأرض وابحثوا حتى تجدون هذه الثروة .