عمري عدة أشهر ، وأنا طويلة إذا قورنت بكثير من حيوانات البراري الإفريقية ، لكنى لا أزال بين سيقان الزراف الكبير ، التي تصل قامة الواحد أو الواحدة منها إلى ارتفاع ستة أمتار .
الأم المقصرة :
حتى الآن أواصل الرضاعة من ثدي أمي ، لأكبر وأعتمد على نفسي ، بعد أن أبلغ العام الأول من عمري ، وأنا أريد أن أكبر بسرعة ، ليس من أجل أن أستمتع بالانطلاق وحرية الحركة ، بل أيضًا من أجل أمي التي يتهمونها بأنها أم مهملة ، أو مقصرة .
اضطرار الأم للتغيب :
صحيح أنها تغيب كل يوم وتتركني طويلاً قبل أن تعود لرؤيتي ، لكنها تفعل ذلك مضطرة ، فهي لابد أن تذهب حتى تلتهم غذاءً ، يكفي لإشباعها وجعل درعها يمتلئ بالحليب لأجلي ، وحتى تحقق ذلك ، لابد أن تذهب بعيداً حتى تأكل ما يقارب ، المائة رطل في اليوم من أوراق الأشجار العالية التي تتناثر في البراري الشاسعة ، على مسافات متباعدة .
تنظيم حرارة جسم الزراف :
لماذا لا تأخذنني معها في جولة الطعام اليومي الطويلة هذه ، هذا سؤال مهم لأن الاجابة عنه تتطلب دفاعاً صادقاُ عن أمي ، فهي لا تستطيع أن تأخذنني بصحبتها حتى لا أصاب بضربة شمس قاتلة ، لأن نظام توزيع درجة الحرارة في أجسام الزراف معقد للغاية .
حتى يكفي لتنظيم الحرارة على مساحة جسمها الكبير الطويل ، وهذا النظام لا يبدأ إلا بعد مرور عام كامل على مولد كل زرافة ، لذلك تضطر أمي لتركي في مكان ظليل وآمن ، وتذهب لجمع طعامها الذي يتحول كثير منه في جسمها إلى حليب ترضعني منه .
جليسات صغار الزراف :
في الشهر الأول بعد مولدي ، كانت أمي لا تتركني إلا لحظات قليلة ، أما بعد ذلك فكان لابد أن تتغير فترات أطول ، لتجمع غذاء أكثر ، بعد أن استهلك الحمل والولادة والرضاعة مخزون جسمها .
وهي في فترات تغيبها الطويلة هذه ، لا تتركني وحيدة ، معرضة للشمس وهجمات وحوش البراري ، بل تتركني في حماية اثنتين من الزرافات الشابات ، مثل جليسات الأطفال لدى البشر ، أتحرك في الظل بين سيقانهما الطويلة ، وعندما يكون هناك خطر ، تنقلانني بعيداً ، دون أن ينحسر ظلاهما عني ، حتى لا أصاب بضربة شمس .
عودة الأم وحنانها :
وفي نهاية اليوم ، تعود أمي الحبيبة لتلمسني بحنانها ، وترضعني حتى أشبع وأكبر ، هذا النظام متوارث في عائلة الزراف منذ أن خلقها الله ، وأمي نفسها عندما كانت شابة ، لعبت دور جليسة أطفال لعديد من الزرافات التي كبرت ، وسارت الآن شابة وطويلة ، والزرافتان الشابتان التي ترعيانني في غياب أمي ، كانتا من بين الزرافات التي اعتنيت بهم أمي وهي شابة ، أنها أدوار تؤديها الزرافات بإخلاص وحب ، منذ خلقها الله لتحافظ على نوعها وتستمر في الحياة جيلاً بعد جيل .