في قديم الزمان كان هناك شجرة ضخمة ينبت التفاح بين أوراقها ، وكان هناك طفل صغير يلعب كل يوم حول هذه الشجرة ، فتارة يتسلق الأغصان ويأكل من ثمر التفاح ، وتارة يغفو قليلًا لينام في ظلها ، وكان هذا الطفل يحب تلك الشجرة كثيرًا وهي الأخرى كانت تستمتع بلعبه معها وجريه حولها .
مر الزمن وشب الطفل وأصبح لا يلعب حول الشجرة كما كان يفعل في الصغر ، وفي يوم من الأيام أصابه الحزن ، وتذكر صديقته الشجرة التي كان يجلس تحتها ، فذهب ليستريح ويلقى همومه على جذعها ، فلما رأته الشجرة فرحت بقدومه كثيرًا وقالت له : تعال والعب معي .
فقال لها : أنا لم أعد صغيرًا لكي ألعب حولك ، لقد كبرت وأريد بعض اللعب التي تناسب سني ، وأحتاج بعض النقود لشرائها فأجابته الشجرة : للأسف ليس معي نقود ولكن يمكنك أن تأخذ كل التفاح الذي ينبت فوقي لتبيعه ثم تشتري بثمنه كل الألعاب التي تريدها .
فرح الولد كثيرًا بكلام الشجرة ، وتسلقها وهو سعيد وجمع كل ثمار التفاح التي كانت عليها وغادر الولد ولكنه غاب كثيرًا ولم يعد ، فحزنت الشجرة على فراقه وظلت وحيدة تنتظر عودته .
مرت الأعوام وجاء الولد ، ولكنه في تلك المرة كان مختلف فقد أصبح رجلًا كبيرًا ، ففرحت الشجرة لعودته وكانت في منتهى السعادة ، ولما رأته قالت له : تعالى يا صديقي والعب معي ولكنه أجابها : لقد صرت الأن رجلًا مسئولًا عن عائلة ، ولم يعد لدي وقت للعب ، فهل بإمكانك مساعدتي فنحن نحتاج لمنزل لكي نعيش فيه ؟
فقالت الشجرة : للأسف يا صديقي ليس عندي بيت ولكن يمكنك أن تأخذ مني أغصاني لتبني بها منزلًا يؤويك ، فأخذ الرجل كل الأغصان وغادر الشجرة وهو سعيد بما أخذ ، وكانت الشجرة نفسها مسرورة لرؤيتها له بعد كل السنوات وظنت أنه لن يغيب عنها ثانية .
ولكن عندما غادر الرجل لم يعد إليها ثانية ، فأصبحت الشجرة وحيدة من جديد وأصابها الحزن والسقم ، وفي يوم حار من أيام الصيف المشمسة عاد الرجل يبدو عليه علامات التقدم في العمر ، وكانت الشجرة في منتهى السعادة حينما رأته بعد طول انتظار .
فقالت له : تعال والعب معي أيها الرجل ، فقال لها : لقد تقدمت في السن وأريد أن أبحر بعيدًا لأي مكان لكي أرتاح فيه ، هل يمكنك مساعدتي في ذلك وإعطائي مركبًا ؟ فقالت له الشجرة : خذ جذعي وابني به مركبك ، وبعدها يمكنك أن تبحر به إلى أي مكان تشاء .
فقام الرجل على الفور وقطع جذع الشجرة وصنع منه مركبًا سافر به مبحرًا إلى بلاد بعيدة ، وغاب فترة طويلة ، وأخيرًا قرر الرجل العودة إلى أرض الوطن حيث شجرة التفاح صديقته القديمة ، ولكن تلك المرة حينما عاد قالت له الشجرة : آسفة يا بني ، لم يعد لدي أي شئ أعطيك إياه .
فلم يعد بين أوراقي تفاح جميل ، فقال الرجل : لا عليك أيتها الشجرة فأنا لم يعد عندي أي أسنان لأقضمها ، فقالت الشجرة : ولم يعد عندي جذع لتتسلقه ، فقال لها الرجل لقد أصبحت عجوزًا ولا أقوى على فعل ، فقالت له الشجرة وهي تبكي : للأسف لم يعد لدي أي شيء أعطيه إليك سوى جذور ميتة .
فقال لها الرجل : أنا لا أريد أي شيء فكل ما أحتاجه الآن منك هو مكان لأستريح فيه ، فأنا متعب أرهقتني السنين ، فأجابته الشجرة وهي تبتسم : جذور الشجرة العجوز هي أنسب مكان لك لكي ترتاح فيه .
تعال واجلس معي يا بني لتستريح ، فجلس الرجل إليها ووضع رأسه على جذورها الممتدة في الأرض ، كانت الشجرة حينها سعيدة جدًا وتبسمت والدموع تملأ عينيها ، هل تعرف من هي هذه الشجرة؟ إنها أبويك !