قصة اليد هي ذكرى تعود إلى أربع سنوات ، خلت عن مدينة سوف القاسية ،
عن تلك الأرض التي كادت تأخذنني إلى الأبد ،
في احدى مقابرها المفتوحة على الفضاء الرحيب والخالية من كل حزن وأسى .
قصة اليد
نبذة عن المؤلف:
قصة من روائع الأدب السويسري ، للكاتبة ايزابيل ايبرهارت ، ولدت إيزابيل في 17 فبراير عام 1877م ،
اهتمت إيزابيل باللغة التركية أولا قبل أن تتعلم وتتقن اللغة العربية ،
سافرت ايزابيل إلى الجزائر لأول مرة في مايو 1897م مع أمها في محاولة للاثنين ببدء حياة جديدة ،
بعدها اعتنقتا دين الإسلام ،
قامت ايزابيى بكتابة العديد من مؤلفاتها في منفاها وتعرفت هناك على جندي جزائري اسمه سليمان ،
وتزوجت به في 17 أكتوبر 1901م ، مما منحها الجنسية الفرنسية وحق الرجوع للجزائر ،
توفيت الكاتبة ايزابيل ايبرهارت في 21 أكتوبر عام 1904م ، في بيتها في منطقة عين الصفراء غرقا بسبب الفيضان ،
من أشهر كتاباتها : أخبار الجزائر ، في ظل الإسلام الحار ، عمال النهار .
قصة اليد
ليل الصحراء :
كان الوقت ليلا ، بشمال مدينة الوادي على طريق البهيمة ، كنت وأحد فرسان الأهالي المجندين بالجيش الفرنسي عائدين من سباق للخيل ،
إلى احدى الزوايا البعيدة ، والصمت يخيم على المكان ، آه من تلك الليالي القمرية على صحراء الرمال ،
وهل تضاهيها ليال روعة سحرا وغموضًا ! فوضى الكثبان الرملية ،
والأضرحة والصور الظليلة لمنارة سيدي سالم البيضاء المطلة على المدينة ،
كل شيء يتلاشى ، ينصهر يتبدد ويخذ مظاهر شفافة وخيالية .
مقبرة سيدي عبد الله :
الصحراء حيث تنساب الأضواء الوردية ، والأضواء الخضراء الشاحبة ، والأضواء الزرقاء ،
وانعكاسات الأضواء الفضية ، هي ذي الصحراء تسكنها الأشباح ، لا كخطوط كفافية واضحة ودقيقة ،
ولا أشكال جلية في سطوع وتلألؤ الرمال الغامر ، كانت الكثبان الرملية البعيدة تبدو كبخار تجمع في الأفق ،
والقريبة تتلاشى في سطوع لا متناهي منسكب من السماء ،
مررنا في درب ضيق على وهده رمادية صغيرة ، وقد زرعت حجارة مستقيمة : مقبرة سيدي عبدالله .
المرأة العجوز :
كان الجوادان يتقدمان دون احداث أي جلبة على الرمال الجافة والمتحركة ،
فجأة لمحنا شكلاً أسود ينزل من المنحدر المقابل متجهًا نحو المقبرة ،
كان الشكل امرأة وقد تسربلت بلحاف السوفيات الأسود المصنوع من الجوخ الاغريقي .
مندهشين قلقين توقفنا ورحنا نتبع خطواتها بأعيننا ، أملودان استقاما على تلة يؤشران إلى قبر حديث جدًا ،
جلست المرأة على ركبتيها بعد أن اقتلعت النخلتان الصغيرتان ،
وقد بدا وجهها الآن في ضوء القمر ، منكمشًا تعلوه تجاعيد السنين ،
وراحت تحفر بسرعة بيدها ، وسط الرمال كأنها أحد حيوانات الصحراء الحفارة .
المقبرة :
كانت تؤدي مهمتها تلك بهمجية غريبة ، وانفتح الثقب الأسود سريعا على نومته وتعفنه المجهول الذي يخفيه ،
وأخيرًا انحنت المرأة على القبر الفاغر فمه ، وحين استقامت كانت تحمل إحدى يدي الميت ،
وقد قطعت على مستوى المعصم ، يد مسكينة متيبسة وشاحبة .
عدوة الله وعدوة عباده :
وعلى عجل ردمت العجوز الحفرة ، وأعادت الأملودين الأخضرين ،
ثم أخفت اليد المقطوعة تحت لحافها واتخذت طريق المدينة قافلة ، مذعورًا لاهثًا أخذ الفارس بندقيته وجهزها للرمي ،
أوقفته قائلة : لماذا ؟ أيهمنا هذا الأمر ؟ والله وكيلها ؟ آه .. إلهي ،
إلهي .. راح يكررها الفارس مصدومًا ، دعيني أقتل عدوة الله وعدوة عباده!!
الساحرة الملعونة :
خبرني قبل ذلك ، ما الذي يمكنها أن تفعله بهذه اليد ؟ آه ، لا تعلمين ، إنها ساحرة ملعونة ،
بيد الميت ستعجن خبزًا ، ثم تطعمه لبعض التعساء ،
ومن تناول طعامًا أعد بيد ميت مأخوذة ليلة الجمعة يكون فيها القمر بدرًا ، يتجفف قلبه ويموت موتًا بطيئًا ،
سيغدو باردًا غير مكترث بالحياة ، وسيستولي على روحه ضيق رهيب ، ثم يذبل ويموت ،
فليحفظنا الله من هذه الشرور ! وفي شعاع الليل الهادئ اختفت العجوز ، إلى مهمتها الظلامية .
طريق العودة :
وفي صمت غامر ، اتخذنا طريقنا في اتجاه مدينة الألف قبة ، قباب صغيرة ودائرية يخيل للرائي من أفق لآخر ،
أنها امتداد لظهر العرق العملاق ، مدينة عملاقة من مدن ألف ليلة وليلة وعفاريتها وسحرتها .
إقرأ المزيد من القصص على موقعنا