لقد ألهم D’Annunzio غابرييل دانونزيو موسوليني بكتاباته المحرضة ، فهو الكاتب المحرض لأول دولة فاشيّة في العالم ، وقد عاش غابرييل حياة فريدة لدرجة أنه من الصعب فصل الحقيقة عن الخيال في حياته تلك ، فغابرييل دانونزيو معروف في إنجلترا بأنه “رجل مقزز ، وفي فرنسا أطلق عليه اسم جنوم المخيف ، ولكن في إيطاليا كان يطلق عليه اسم الشاعر والروائي العظيم .
فبالنسبة لمكانته في وطنه يعتبر دانونزيو من أعظم الروائيين في كل العصور، ويعتبر اسم “دانونزيو” في إيطاليا اسم مألوف مثل “هيمنجواي في أمريكا ، أو “ديكنز ” في إنجلترا ، لكن غابرييل دانونزيو لا يشتهر بكتبه فقط بل إنه يشتهر أيضًا بحياة الانحطاط والفساد والجدل ، وفي الواقع كانت حياته مرفهة للغاية ، لدرجة أنه من الصعب التحقق عن الشيء الحقيقي منها أو الخيال .
غابرييل دانونزيو : الكذاب والكاتب
ولد دانونزيو في 12 مارس عام 1863م في بيسكارا بإيطاليا ، لعائلة ثرية ومتعلمة تعليمًا عاليًا ، وشهد ترف التعليم بالجامعة ونال أفضل الفرص الأكاديمية ، كما نشر أول مجموعة من القصائد ونال شهره كبيرة ، وبعد فترة وجيزة أصدر روايته الأولى ، وسرعان ما أصبح رمزًا وطنيًا ومصدر إلهام بأفكاره الغريبة التي لا نهاية لها .
شخصية شاذة غريبة :
يقال أنه طبخ مرة واحدة وأكل لحم طفل إنساني ، فقط ليعرف ما هو مذاقه ! ويقال أنه كان له رداء خاص في بيته يظهر عورته ، وأنه يعاشر كل امرأة جميلة في باريس ، وكان له عاهرة لنفسه ثلاث مرات في اليوم ، وتصادق مع بعض نجمات السينما مثل الممثلة ايلونورا دوز ، والتي بعد انتهاء العلاقة معها كشف عن حياتهم الحميمة في سلسلة من المسرحيات .
وهناك الكثير مما يقال إلى جانب ذلك ، وعلى الرغم من أنه من الصعب الجزم إن كان أيًا منها صحيحًا أم لا ؟ ، إلا أن هذا هو الإرث الذي تركه دانونزيو ، وهو مبني على طيف ضخم من القصص ، التي لم ينفيها أحد على الإطلاق ، ويقول دانونزيو عن نفسه : يجب أن يقتنع العالم بأنني قادر على أي شيء” .
كما قال ذات مرة أن سر نجاحه هو نشر كل قصة يمكن تخيلها ، ولم تكن الكذبة شيئًا كبيرًا بالنسبة لـ دانونزيو ، فعندما سُرقت الموناليزا أخبر الناس أنها كانت معروضة في منزله ، لكن خداعه واستفزازه امتد إلى ما بعد حياته الخاصة ، بل إلى الحرب العالمية القادمة !
سيطرته على فيومي :
لقد أصبح دانونزيو بطلاً في الحرب الإيطالية ، وأصبح أسطورة لأنه فقد عينه وهو يقاتل ببسالة في الحرب العالمية الأولى ، وأسقط منشورات دعائية استفزازية فوق إيطاليا في رحلة فوق فيينا ، لكن أكبر أعماله كانت عندما قاد جيشًا مارقًا للسيطرة على المدينة بعد انتهاء الحرب .
وفي عام 1919م ثار غابرييل دانونزيو ومليشياته في مدينة فيومي ، واستطاعوا الاستيلاء على ميناء فيومي ، وأعلنوا أنها دولة مستقلة ولقد كان هو ورجاله غاضبين من محادثات ما بعد الحرب ، التي كانت تدفع باتجاه إسقاط إيطاليا لفيومي لصالح كرواتيا ، وحاول أن يجعل إيطاليا تعلن أن المدينة خاصة بها .
وعندما رفضت جعلها دولة مستقلة لهم ، ولمدة 15 شهرًا أعلن الشاعر ومجموعة من الجنود المتناثرين بالمدينة أن فيومي هي دولتهم ، وعلى الرغم من الضغوط المكثفة من كل الدول تقريبًا في العالم ، لكنهم تجاهلوا معاهدات متعددة لحملهم على الرحيل بسلام ، وفي النهاية أعلنوا الحرب المفتوحة على إيطاليا .
موسوليني :
لقد كشف غابرييل دانونزيو أنه حقًا رجل أكثر إثارة للجدل بكثير ، من الانحرافات الجنسية التي ذاعت عنه فقد جعل نفسه يبدو فاشي ، وقام دانونزيو بمساعدة من المتمردين السياسيين الإيطاليين والناشطين بوضع ميثاق يسمى “ميثاق كارنارو” لمدينه فيومي ، وقد قاموا معًا بإنشاء فيومي كدولة فاشية بحتة ، حيث حكم “العرق المتفوق” بقبضة حديدية على الضعفاء.
ما كتبه دانونزيو عن التقسيم :
“سيتم تقسيم الرجال إلى فريقين : إلى السلالة المتفوقة التي يجب أن تكون مميزة بعرقها النقي من خلال الطاقة النقية لإرادتها ، و يجب أن يذهب أكبر مبلغ من الرفاهية إلى المتميزين ، وهو الذي يجعل عرقهم جدير بكل الامتيازات ، ويبقى الباقي عبيدًا ودائمًا محكومين بالمعاناة ولن يشعروا أبدًا بالحرية .
ولقد اتصل البعض بدانونزيو وأولهم موسوليني ، فقد كانت لأفكاره تأثير كبير على الديكتاتور الإيطالي ، الذي قام بشكل جزئي بتصميم دولته الفاشية على ميثاق دانونزيو بعد صعوده إلى السلطة ، حيث طلب موسوليني من دانونزيو العمل كمستشار شخصي له ، وفي الوقت المناسب سقطت فيومي ، ولكنها لم تذهب بهدوء حيث قامت القوة الكاملة للبحرية الإيطالية إلى قصف المدينة .
قبل أن يتخلى عنها دانونزيو ورجاله ، ثم ذهب ليعيش ما تبقى من حياته في Il Vittoriale ، وهو عقار على طول نهر جاردون في لومباردي ، وهناك أعُطيت له الهدايا الفخمة من قبل موسوليني ، مثل طائرة وجزء من سفينة حربية ، وذات يوم من الأيام بينما كان دانونزيو مخمورًا ، وأيضًا متعاطي للكوكايين انزلق من النافذة وأصاب نفسه بجروح خطيرة .
وانتشرت الشائعات على الفور بأن عدوًا سياسيًا حاول قتله ، ورفض دانونزيو كل هذا وعندما دخل بعد ثلاثة أيام في غيبوبة تم إنكار هذه الشائعات ، إلا أن الإصابة أضعفته كثيرًا ، فقد كان يبلغ من العمر 74 عامًا عند وفاته في عام 1938م ، ورغم ذلك لم تنته الشائعات الغريبة عن حياته الغير طبيعية بوفاته .