من الأساطير الشهيرة في دول غرب أفريقيا ، ما تناقلته الأجيال بشأن الرحى التي تطحن القمح من تلقاء نفسها ، والتي قد يربطها البعض بمعتقدات السحر والفودو والقوى المظلمة ، وقد يعزيها آخرون إلى خيال ممتد لثقافة شعوب عاشت بعيدًا عما حولها من مدنية وخلافه .

حدثت مجاعة كبرى عمت أرجاء البلاد ، وأصبح سكان القرية شديدي النحول والشحوب بسبب نقص الطعام ، إلا عائلة واحدة كانت تبدو بصحة جيدة ، وكانت هذه العائلة تعرف باسم عائلة ابن عم أنانسي ـو عائلة كوفي .

لم يستطع أنانسي فهم هذا الأمر ، وكان متأكدًا من أن ابن عمه يحصل على الطعام بطريقة ما ، فقرر الطماع أن يكتشف سره ، وما حدث كان الآتي: بينما كان ابن عم أنانسي يصطاد ذات صباح ، اكتشف حجرًا عجيبًا ملقى على العشب في الغابة وينتج الطحين من تلقاء نفسه ، وبالقرب منه يجري جدول من العسل ، شعر كوفي بالامتنان وجلس لتناول وجبة شهية ، ولأنه لم يكن جشعًا ، أخذ معه ما يكفي لإطعام عائلته .

صار يعود إلى الحجر كل صباح فيحصل على ما يكفيهم من الطعام لذلك اليوم ، وهكذا حافظ هو وعائلته على صحتهم فلم ينحفوا ، في حين كان كل سكان القرى المحيطة يتضورون جوعًا ، والبؤس باد عليهم بشدة .

لم يترك أنانسي ابن عمه وشأنه ، حتى وعده الأخير بأن يريه الرحى ، وهو ما لم يكن يرغب بأن يفعله ؛ لأنه يعرف ألاعيب ابن عمه الشريرة ، إذ كان متأكدًا من أنه حين يرى الرحى ، فإنه لن يقنع بأخذ ما يكفيه وحسب .

وظل أنانسي يمطره بالأسئلة حتى أخذ منه وعدًا بأن يذهبا صباح اليوم التالي ، حين تبدأ النساء أعمالهن ، ولكن أنانسي كان فضوليًا جدًا ، فلم يستطع الانتظار حتى الصباح ، فطلب من أبنائه أن يستيقظوا ويحدثوا أصواتًا بأواني المطبخ ، وكأن النساء قد بدأن أعمالهن المنزلية بالفعل .

عندئذ ركض أنانسي وأيقظ ابن عمه بسرعة قائلاً: أسرع لقد حان وقت العمل ، غير أن ابن عمه اكتشف أنها مجرد خدعة ، فعاد إلى سريره وهو يقول إنه لن يذهب حتى تبدأ النساء بالكنس .

وقبل أن يستغرق في نومه كان أنانسي قد طلب من أولاده حمل المكانس ، فبدؤا يكنسون المكان مصدرين أصواتًا مزعجة للغاية ، وأيقظ كوفي مجددًا وقال: هيا لنبدأ ، فقد حان الوقت مرة أخرى ، ومرة أخرى رفض ابن عمه البدء ، قائلاً إنها واحدة أخرى من حيل أنانسي ، فعاد للنوم ثانية ، فما كان من أنانسي إلا أن دخل غرفة ابن عمه هذه المرة ، وأحدث ثقبًا في كيسه وملأه بالرماد ، ثم غادر بعد ذلك تاركًا كوفي ينام بسلام .

استيقظ ابن العم في الصباح ، فلم يجد أنانسي ولا أي أثر له ، فانطلق وحده في الغابة فرحًا ، وهو يظن أنه قد تخلص من هذا الرفيق المزعج ، وما كاد يجلس قرب الرحى ، حتى ظهر أنانسي أمامه بعد أن لحقه عبر أثر الرماد.

هكذا إذن ! قالها ابن عمه حينما ظهر فجأة خلفه ، وأضاف: هناك الكثير من الطعام للجميع ، ولم يعد هناك سببًا للمعاناة ، فرد عليه ابن عمه: اصمت ، عليك ألا تصرخ هكذا هنا ، فهذا المكان في غاية الروعة ، اجلس بهدوء كي نأكل .

تناولا وجبة مشبعة وجهز كوفي نفسه ، لكي يعود إلى بيته ومعه من الطعام ما يكفي لعائلته ، أما أنانسي أصر أن يحمل معه الرحى نفسها ! وعبثًا حاول كوفي إثنائه عما يفعل ، إلا أن أنانسي أصر على حملها فوق ظهره ، والسير بها نحو القرية .

هنا بدأ حجر الرحى يطلب من أنانسي أن ينزله من فوق ظهره ، لكن أنانسي أصر أن يحمله وذهب به إلى القرية ، وهو ينتج الطحين من تلقاء نفسه ، وظل الحجر يطلب منه أن ينزله ، ولكن طمع أنانسي أعماه وظل يحمله ، حتى إذا ما امتلأ كيسه بالمال ، حاول أن ينزل حجر الرحى ، إلا أنه أبى أن ينزل ، وظل فوق ظهره حتى سحقه ، ودمر نفسه ولم يعد هناك رحى ينتج الطحين منذ ذلك اليوم ، وظلت الأسطورة تجوب أنحاء المكان .

By Lars