قد لا يتخيل أحد أن الحرب ، يمكن أن ينتهي فيها الطرفين بالزواج والإنجاب ! حقًا إنه أمر غريب فالحروب ، تصنع الموت وتجسده ، بينما الزواج والإنجاب بمثلان جانبًا مهمًا للاستقرار النفسي والعاطفي والاجتماعي أيضًا .
قامت صحيفة الواشنطن بوست ، بنشر تقرير مفصل لقصص بعض اليابانيات ، اللاتي روين قصص زواجهن من جنود أميركان ، عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945م ، ومن بين ما تم نشره من قصص ، كانت قصة السيدة هيروكو فوروكاوا تولبرت ، والدة الكاتبة كاثرين تولبرت ، والتي قصّت كيفية الزواج ، الذي تم بين والديها ، تلك القصص التي وصفها البعض بأنها خيانة من تلك الفتيات اليابانيات آنذاك ، لوطنهن في أحلك ظروفه التاريخية .
هيروكو فوروكاوا تولبرت ، تبلغ من العمر الآن 85 عامًا ، وهي والدة الكاتبة الأميركية كاثرين تولبرت ، وكانت هيروكو قد وصلت إلى إلميرا ، في ولاية نيويورك عام 1952م ، وتزوجت من بيل تولبرت ، وأطلق عليها الأصهار اسم سوزي .
هبطت الآلاف من القوات الأميركية ، من قوات بحرية وطائرات للنقل ، على أرض اليابان بموافقة الإمبراطور آنذاك ، وذلك من أجل الحيلولة دون وقوع مجاعات أو تدهور اقتصادي واجتماعي كبير ، عقب هزيمة اليابان.
في هذا الوقت قامت العائلات اليابانية المرموقة ، بإقصاء فتياتهن عن الجنود الأمريكان ، بينما اضطرت الكثير من العائلات ، إرسال فتياتهم للعمل الذي قدمه جنود اليابان ، وذلك من خلال عددًا من المدارس الكتابية ، التي أقاموها وعملت بها الفتيات ، في تدريس اللغة الانجليزية ، وكذلك أعمال السكرتارية والعمل جليسات للأطفال ، وسرعان ما بدأت تظهر الملاهي الليلة التي استقطبت ، عددًا آخر من اليابانيات في هذا الوقت الحاسم .
تحدثت كاثرين عن والدتها ، وقالت أنها كانت ابنة لأحد الضباط ذووا المركز المرموق ، وكانت فتاته المدللة التي تأتيها حاجاتها ، وتعيش أسرتها في كوريا ، في الفترة التي كانت فيها اليابان في قبضة كوريا ، فكانت تحظى بالخادمات ، والمعلمات اللاتي أفعمنها بدروس الرقص والموسيقى ، وفي كل صباح كان هناك من يمر على المنزل ، لتنظيف حذاء والدها ، وإيصاله إلى المخيم الذي يعمل به .
ولكن دوام الحال من المحال ، فمع الوقت أصيب والدها بمرض عضال ، أرقده بالفراش إلى أن توفى ، وبالطبع إثر ضغوط عائلية ، اضطرت الأسرة أن تعود إلى اليابان مرة أخرى ، إبان فترة الحرب .
عقب أن انتهت هيروكو من دراستها بالثانوية ، بدأت في البحث عن وظيفة مناسبة لها ، نظرًا لعدم توافر المال الكافي لارتياد الجامعة آنذاك ، إلى جانب توفير المال المتبقي من أجل شقيقها .
في هذا الوقت كان الجيش الأميركي ، يعمل على إدارة مركزًا للرسائل البريدية ، وكان منفذًا للبيع بالتجزئة للمنطقة التي يعمل بها الجنود ، والمعروفة باسم جينزا في طوكيو ، وكانت هيروكو قد ذهبت لمقابلة من أجل العمل ، وتم توظيفها في قسم المبيعات ، وتواجدها بهذا المكان ساعد الجنود ، في اختياراتهم للهدايا من أجل حبيباتهم .
جلب الجنود الأميركان هدايا لم يكن باستطاعة اليابانيون أن يحصلوا عليها ، مثل الفساتين والشيكولاته وبعض التحف الغالية والنادرة أيضًا ، إلى جانب تمتعهم بالوسامة والقامة الممشوقة بالزي العسكري ، الذي أضفى على الجنود هيبة بمذاق خاص ، مقارنة بالجنود اليابانيين الذين عادوا من الحرب ، وهم مشتتون ذهنيًا ومنهكون جسديًا .
كل تلك العوامل ساعدت على فتنة الفتيات اليابانيات بهم ، خاصة مع إظهارهم لبعض المجاملات ، مثل تقديم السيدات على أنفسهم ، فظهرت مبادرات عرائس الحرب ، وبدأت الفتيات في الموافقة بالخطبة لهؤلاء الجنود ، ممن مثلوا لهن مهربًا من الظروف الصعبة التي مرت بها بلادهن .
وكانت هيروكو واحدة من هؤلاء ، حيث تعرف عليها بيل ، وأعجب بها وقرر الزواج منها ، وكانت هي قد رأت فيه حياتها السابقة التي كانت تعيشها ، فوافقت على الزواج منه ، وسافرت معه إلى نيويورك ، بعد أن رأت منه هدوءً وحسن تصرف ولباقة ، ولم تكن هيروكو تتحدث في هذا الوقت ، بشأن الجانب الرومانسي وإنما كان بيل بالنسبة لها ، المهرب من وضعها البائس في اليابان .