كانت طرق العلاج بالمصحات العقلية ، قديمًا وتحديدًا بالعصور الوسطى ، تتم بشكل غير آدمي ، ويشوبها الكثير من التجارب غير الآدمية المحملة بالخرافات ، وتتم بغير علم أو رحمة على هؤلاء المساكين ، المصابون بأنواع مختلفة من الأمراض العقلية والنفسية على حد سواء ، فكانت تتم معاملتهم بشكل سيئ للغاية ، ويتم إقناع ذويهم أن ما يشكو منه المريض ، ما هو إلا أمر طبيعي ، نتيجة رغبته في عدم تلقي العلاج المناسب ، وأنها مجرد أوهام يختلقها ذهن المريض نفسه للإفلات من تجربة العلاج ، ولعل تلك هي التجربة التي مرت بها مارجريت شيلينغ .
تزايد الاهتمام بالأمراض العقلية ، في الولايات المتحدة الأميركية إثر الحرب الأهلية التي اندلعت في عام 1861م ، وانتهت في عام 1865م ، فالحروب لا تترك خلفها جثثًا فقط ، وإنما العديد من المضطربين عقليًا ونفسيًا ، ولهذا السبب بدأت الحكومة ، في إنشاء عددًا من المصحات العقلية ، في المدن لاستيعاب أعداد المرضى ، وكان من بين تلك المصحات ، مصحة أثينا العقلية ، التي شيدت بالقرب من مدينة أثينا الأميركية ، والتي تبرع بأرضها أحد الأثرياء المحليين .
ضمت المصحة أكثر من خمسمائة غرفة للمرضى ، والتزمت بالزراعة داخل البيوت الزجاجية الملحقة بها ، ومع ذيوع صيت المشفى ، بأنه الأفضل في العناية بالمرضى ورعايتهم ، قفز العدد فجأة من مائتي مريض حتى ألفين ، مما اضطر إدارة المشفى ، في تعيين من هم غير مؤهلين للعناية بهم ، فانحدر مستوى الرعاية بها .
وعن مارجريت فتاة قصتنا ، كانت قد دخلت إلى هذا المشفى اللعين ، الذي ما لبث أن انخفضت فيه العناية بالمرضى ، حتى بدأ الأطباء المبتدئون ، في ممارسات تعذيبية لكل من دخلها ، فأجروا العديد من العمليات المؤلمة للمرضى ، بغرض وادعاء علاجهم ، ولكن في الحقيقة تم القضاء عليهم بواسطة تلك العمليات ، غير الآدمية ومنها جراحات فصل الشبكية ، والفص الأمامي من المخ وغيرها .
وكانت مارجريت أحد النزلاء بالمشفى ، وقد ظلت به حتى بلغت الثالثة والخمسين من عمرها ، وكانت تتجول بين أروقة المشفى ، وينظر لها طاقم التمريض دون اكتراث ، فهي تعيش بعقل طفلة ، في جسد سيدة ، وكانت تطوف بين المرضى تهدهد البعض منهم ، وتلعب مع الآخرين .
وفي أحد الأيام ، طلبت مارجريت أن تلعب مع من بالمشفى ، لعبة الغميضة ، وطلبت منهم أن يبحثوا عنها ، ولكن هؤلاء اعتادوا ألا يكترثوا لها ، وبالفعل اختفت مارجريت ، ولم يهتم أحد بها ، سوى عقب مرور بضعة أيام ، عندما انتبهت إحدى الممرضات لاختفاء مارجريت ، فبدؤا جميعًا في البحث عنها ، حتى وجدها أحد الحراس ، في مبنى مهجور إلى جوار المشفى ، وتابع له وهي راقدة جثة هامدة ومتيبسة ، وعيناها مفتوحتان عن آخرهما ، وأقر الأطباء بعد فحصها بأنها ماتت ، نتيجة سكتة قلبية نتيجة برودة الطقس في المكان ، وكونها نامت عارية على الأرض الباردة .
لم يعلم أحد ظروف وفاة مارجريت ، أو السبب الحقيقي الذي دفعها للاختباء في هذا المكان ، إلا أنه من المرجح أنها جلست تنتظر أن يبحث عنها أحدهم .
مرت الأيام والشهور وتناسى الجميع أمر مارجريت ، حتى حدث عطل ما بالمشفى ، فذهب أحد عمال الصيانة للحجرة ، التي توفيت فيها مارجريت ، لإصلاح العطل ، ولكن بمجرد أن دخل إلى الغرفة ، وجد بقعة على الأرض ، في المكان الذي ماتت فيه مارجريت ، يحمل نفس شكل جثتها عندما ماتت .
بدأت إدارة المشفى في محاولات لإزالة تلك البقعة ، إلا أنها أبت أن تزول ، حتى باستخدام أدوات النظافة ، لتظل تلك البقعة شاهدة على وفاة مارجريت داخل المشفى ، بدأت بعدها مشاهدات لشبح مارجريت ، يتجول بالمشفى هنا وهناك ، وهي تحمل دميتها بين يديها ، ولعلها مازالت تلعب الغميضة وتنتظر من يجدها .
وهناك من شكك في نظرية وفاتها ، وقال أن البقعة ظهرت لتفضح ما حدث لتلك المسكينة ، حيث استدرجها أحد العمال لهذا المكان ، واعتدى عليها جنسيًا ، ثم تركها في تلك البرودة لتموت ، ويدفن السر معها .