كان للغة العربية ثقلٌ ووزنٌ كبير قبل نزول الإسلام وبعد انتشاره ، لهذا نزل القرآن بليغًا بعربية فصيحة لا جدال فيها ، وقد كان الشعراء يتبارون في القدم في إظهار مهاراتهم باللغة العربية في بلاط الحكام ، وكان عبد الملك بن مروان بليغًا وذا علم واسع بقواعد اللغة وأصولها ، حتى أنه كان له من النوادر الخاصة بقواعد اللغة الكثير والكثير .

فيُحكى أنه دخل رجل على عبد الملك بن مروان الذي كان يعشق اللغة العربية ويتقنها أيما إتقان ولا يقبل الخطأ فيها ، وقال له الرجل : إن أبينا هلك وترك مالٌ كثيرٌ فوثب عليه أخانا فأخذ مالٌ أبانا ، فماذا تقول ؟ حينما قال الرجل تلك الجملة أخطأ في قواعده وضم ما يرفع ورفع ما يضم .

فقال عبد الملك الذي اغتم من لغة الرجل الركيكة وقال لمن حوله : أخرجوه عني ، لا رحم الله أباك ولا نيح على عظام أخيك ولا بورك لك فيما ورثت ، حينها كان يقف أحد الحراس إلى جوار عبد الملك فسحب الرجل وأخذ يوبخه قائلًا : أأذيت أميرٌ المؤمنين وقد أخطأ هو الأخر بضمه كلمة أمير وهي في الأصل منصوبة ، فقال عبد الملك بن مروان في غضب جم : خذوه معه .

وهناك موقف أخر وقع مع أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان حينما دخل عليه شاعر قتل:

رجل من قبيلة يدعى شبيب ، وبينما هو في مجلسه أنشد :
ومنا مرصد وقعنب وطفيل*** ومنا أميرُ المؤمنين شبيبٌ

فتحفظ أمير المؤمنين استعدادًا لقتله وقال ماذا قلت ؟ ثم نادى يا سياف ، فقاطعه الشاعر بدهاء ومكر وهو يقول : يا أمير المؤمنين أنت ما سمعت كان صوتي منخفضًا ، فقال له عبد الملك بن مروان وماذا قلت ؟ فقال : ومنا مرصد وقعنب وطفيل *** ومنا يا أميرَ المؤمنين شبيبُ ، فقال عبد الملك بن مروان فتحة أنقذت الرجل من قطع رقبته .

فاللغة في عهد عبد الملك بن مروان كانت ترفع أناسًا وتمنحهم درجات ، وتخسف بآخرين ممن لا يتقنون قواعدها ولا يعطونها قدرها ، لأن اللغة هي عنوان القوم ووسيلة التعبير عن هويتهم ، لذا يلزم علينا أن نحي قواعد اللغة ولا نسمح بأمركتها وخلطها بما ليس منها .

By Lars