خلد التاريخ العديد من قصص الحب الرومانسية التي جمعت بين العشاق وانتهت بنهايات حزينة كقصة قيس بن الملوح وليلى العامرية وكثير وبثينة وهناك أيضًا قصة عروة وعفراء التي ألهبت المشاعر وأحزنت الأفئدة ، وعروة هو شاعر من شعراء الجاهلية توفي في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه.
ويدعى عروة بن حزام بن مهاصر بن مالك أحد بني حزام بن ضبة ، وقد هام حبًا بابنة عمه عفراء بنت عقال بن مهاصر بن مالك الضبي ، ويعتبر عروة أحد المتيمين الذين أذابهم الهوى وجنى عليهم فقد مات حزنًا على حبيبته التي تغنى بها في أشعاره ولم ينشد في أحدٍ سواها .
وبدأت القصة حينما مات حزام بن مهاصر وترك عروة طفلًا صغيرًا يرعى في حجر عمه عقال والد عفراء ، ربيا الصغيران معًا ولعبا معًا ألفا بعضهما وتحابا ولما رأى عقال والد عفراء تألفهما وعد عروة بأن عفراء ستكون امرأته ، فاطمئن قلب الحبيبين وتعاهدا على الوفاء .
ولكن حال الحظ دون زواجهما فقد قصد عروة عمته هند بنت مهاصر كي توفق بينه وبين عفراء فذهبت لأخيها عقال وطلبت منه أن يزوج عروة بعفراء ، فقال لها أنه عروة رجلٌ جيد ولكن ينقصه المال وأنا لست على عجلة من أمري في زواج عفراء ، فطابت نفس عروة بعض الشيء .
وكانت أم عفراء لا تقبل بعروة زوجًا لابنتها فقد كانت تريد لابنتها زوجًا ثريًا ، لذا طلبت من عروة مهرًا مبالغًا فيه وبالطبع لم يستطيع عروة تأمينه ، وفي تلك الأثناء عرف عروة أن هناك رجلًا ذا جاه ومال بدأ يخطب عفراء ، فانتفض قلبه من بين أضلعه .
وذهب إلى عمه وأقسم عليه بحق قرابته ألا يوافق على زواج عفراء من غيره ، فرق قلبه لابن أخيه وقال له : يا بني أنت معدم وحالنا من حالك ولكن أمها أبت أن تزوجها إلا بمهر غالٍ ، لذا اخرج للرزق واجمع المال وتعالى أزوجك إياها ، وذهب عروة إلى أم عفراء ولاطفها كي تسهل أمر زواجهما ولكنها وضعت المهر شرطًا .
فقصد عروة ابن عم موسر له في اليمن وشد على يد عمه حينها ألا يزوجها حتى يعود ، وفي ليلة سفره ذهب إلى الحي الذي تسكن فيه عفراء وسهر ليلته وودع الحي وارتحل إلى اليمن بصحبة بعض فتيان بني هلال ، ولما وصل لابن عمه حكى له ما به فأعطاه مائة من الإبل عاد بها إلى قبيلته وكله سعادة وأمل في الزواج بمحبوبته.
وبينما كان عروة يسير مع رفيقاه الهلاليان أخذ ينشد لهما شعرًا عن حب عفراء ويقول :
خليلي مِن عليا هلال بن عامرٍ
بصنعاء عوجاء اليوم وانتظراني
ولا تزهدا في الذخر عندي وأجْمِلا
فإنكما بي اليوم مُبتليانِ
ألِمّا على عفراء إنكما غداً
بوشك النوى والبين معترفانِ
ولما غاب عروة في طلب المهر نزل رجل ثري من أثرياء البلقاء بالشام في حي عفراء ، ورأها فسحره جمالها وتقدم لخطبتها من أهلها فرفض أبيها طلبه ، ولكن الرجل عمد على أم عفراء فوجد عندها قبولًا وطلبت منه أن يتقدم لأبيها ثانيةً ، فلما تقدم في المرة الثانية وافق أبيها وزوجه من عفراء وقبل أن يدخل بها زوجها قالت :
يا عُرْوَ إنّ الحيَّ قد نقضوا
عهدَ الإله وحاولوا الغدر
ثم رحلت مع زوجها إلى البلقاء في الشام وهي حزينة على فراق عروة ، أما أمها الماكرة فأرشدت أبيها لحيلة تضلل بها عروة ، حيث طلبت منه أن يجدد قبرًا بالحي فجدده وسواه ، وطلب من سكان الحي كتمان أمر زواج عفراء حتى إذا أتى عروة أخبروه أن عفراء ماتت وهذا قبرها .
وحينما عاد عروة أخبره عمه والقوم بموت عفراء المزعوم ، فضاقت عليه الدنيا وذهب لقبرها يبكي وينتحب ، فإذا بجارية من الحي تأتي إليه وتخبره بما حدث ، فرحل إلى البلقاء ونزل ضيفًا على زوجها وأسقط خاتمه في إناء لها حتى يبلغها خبره ، فلما علمت بوجوده شهقت شهقة كبيرة ثم تناجيا وشكا لوعة الفراق .
وبعدها عاد عروة حزينًا كسير القلب ومات ودفن في وادي القرى قرب المدينة المنورة فلما بلغ عفراء أمر وفاته أقامت له مأتمًا وظلت ترثاه حتى وافتها المنية بعده بقليل ، وهكذا انتهت قصة الحبيبين بنهاية حزينة كللها حبهم الأبدي .