لقد من الله سبحانه وتعالى على العديد من الرهبان والقساوسة بنعمة الإسلام ، بعد أن تأكد لهم بالفهم والتمحيص أن دين الله حق ومحمد هو أخر الأنبياء المرسلين ، ومن هؤلاء الذين من عليهم الله بنعمته القس السابق إسحاق رئيس لجنة التنصير في أفريقيا ، وهو منصب لا يصل إليه إلا كل من له شأن في الكنيسة ، فكيف تحول هذا الرجل من منصر وداعي للمسيحية إلى مسلم مؤمن بالله ورسوله الكريم ؟
لم تكن الرحلة سهلة ولم يكن الإيمان ماكثًا على طبق من فضة أمام القس إسحاق وبدأت قصته من كرسي الاعتراف فأثناء قداس الأحد الأسبوعي كانت الكنائس تقيم كرسي الاعتراف ، حيث يجلس القس ويستمع فيه لاعترافات المسيحيين بخطاياهم ، ويغفر لهم ما تقدم من ذنبهم .
وفي يوم من الأيام جاءت إليه امرأة وهي تعض أصابع الندم ، أخبرته أنها انحرفت ثلاث مرات ووقعت في الخطيئة ، وطلبت منه أن يغفر لها معاهدة إياه على عدم الرجوع لتلك المعصية ، وكان من المتبع أن يرفع القس الصليب في وجه المعترف ويغفر له خطاياه .
ولكن ما حدث كان غريب فحينما رفع القس إسحاق الصليب وجاء يغفر لها عجز لسانه عن النطق ولم يستطع أن يتفوه بكلمه ، وفجأة بكى بكاءً شديدًا وهو يقول لنفسه : لقد جاءت تطلب مني أن أغفر خطاياها ، ولكن من يغفر لي خطاياي ؟ وإذا به يتوقف أمام الآية القرآنية الشهيرة قل هو الله أحد ! وهنا أدرك أن فوق العالي عاليًا أعلى منه وهو الإله المعبود دون سواه .
فذهب على الفور للقاء الأسقف وسأله في حيرة : أنا أغفر الخطأ للناس ولكن من يغفر لي خطأي ؟ فأجاب الأسقف دون اكتراث : البابا ، فأستطرد القس إسحاق قائلاً : ومن يغفر للبابا ؟ هنا انتفض الأسقف ووقف يصرخ في وجهه وهو يقول أن قداسة البابا معصوم من الخطأ ، وأخذ يعنفه على تطاوله بهذا السؤال ثم صدر القرار من البابا بحبسه في الدير حينما نما إلى علمه ما قال .
أخذوه وهو معصوب العينين إلى الدير وهناك استقبله الرهبان استقبالاً عجيبًا ، فقد كان كل منهم يحمل عصا ويضربه بها وهو يقول : هذا ما يستحقه من باع دينه وكنيسته ، وهكذا عانى القس إسحاق في الدير من الاضطهاد والتعذيب جزاءً لمحاولته الفهم ، وجعلوه يرعى الخنازير ثم قاموا بتحويله بعد ثلاثة أشهر لكبير الرهبان لكي يؤدبه دينيًا.
وحينما ذهب القس إسحاق لكبير الرهبان : قال له على غير المتوقع يا بني إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً اصبر واحتسب {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِب} (الطلاق ، الآية 2،3) ، فكان قوله غريبًا فهذا لم يكن من كلام الكتاب المقدس أو حتى القديسين.
فاندهش القس إسحاق من قول كبير الرهبان ، وزاد ذهوله أكثر حين نصحه بالسر والكتمان حتى يظهر الحق جليًا ، لم يفهم القس إسحاق ما يعنيه كبير الرهبان بهذا الكلام إلا حين ساقته الأقدار إلى بابه ذات مرة ، وطرق عليه فلم يجبه أحد لذا فتح الباب ودخل وكانت المفاجأة .
حيث رأى كبير الرهبان يصلي الفجر فتسمر في مكانه ولكن سرعان ما أغلق الباب حتى لا يراه أحد ، وحينما شعر بوجوده جاءه والدموع تنحدر من عينيه وقال له : تستر علي فقد أمنت بالله الواحد الأحد ورسوله الكريم محمدًا .
فصمت عنه إسحاق ولم يخبر أحد وبعدها ظل يفكر كثيرًا في الأمر وبدأ يدرس القرآن جيدًا حتى تكون هدايته عن يقين واقتناع ، وبالفعل هذا ما حدث فقد أنار الله قلبه بنور الإسلام ، واستطاع رغم الصعوبات التي واجهته أن يشهر إسلامه .
بعد أن تنازل للكنيسة عن كل ممتلكاته حين خيروه بينها وبين دينه الجديد ، فتنازل لهم عن كل شيء وأدار وجهه صوب شعاع الأمل الجديد ، فلا شيء يعدل تلك اللحظة من الندم التي شعر بها وهو على كرسي الاعتراف .