دائمًا ما يرتبط اسم المماليك في أذهان العامة بصورة غريبة توحي بأنهم فرسان يمتطون خيولهم القوية ، ويعربدون بغطرسة وجبروت في شوارع المدن يروعون الناس وينشرون بينهم الرعب والظلم ويخربون البلاد والعباد ، ولكن هذه الصورة معتمة وظالمة فالمماليك لم يكونوا همجيين وقتلة ، فلم يكن بيبرس أو قطز أو حتى قلاوون قومًا ظالمين أبدًا ، ولكنهم تصدوا للمغول والصليبين وقضوا على الوجود الصليبي من الأرض العربية كافة .
أما إن أردت أن تعرف المماليك على حقيقتهم فهم قوم من مناطق إسلامية مختلفة ، ومن جنسيات متعددة منها بلاد التركستان ، وبلاد القوقاز ، وآسيا الصغرى ، وشبه جزيرة القرم وغيرها ، وقد تحولوا من عبيد اختطفوا من بلادهم إلى حكام يحكمون أقوى دولة على مدار أكثر من 270 عام .
المماليك هم فرسان للحضارة الإسلامية والعربية في مرحلتها الأخيرة ، قبل أن تدخل كل البلدان العربية تحت حكم الدولة العثمانية التي حكمت منذ بداية القرن الـ 16 إلى القرن الـ 20 ، وقد برز دورهم حينما دار الصراع بين أبناء البيت الأيوبي ، فتبناهم الصالح نجم الدين أيوب واستخدمهم في حسم حروبه ، بدلاً من المرتزقة الذين أذاقوه مرارة الخيانة في حروبه ضد أقاربه الأيوبيين .
والمماليك يقسمون إلى قسمين هم المماليك البحرية : وهم هؤلاء الذين جلبهم الملك الصالح نجم الدين أيوب ، وبنى لهم قلعة بجزيرة الروضة ثم اختار منهم فرقة سميت بالفرقة البحرية ولذلك سُموا المماليك البحرية نسبة لها ، والقسم الثاني منهم : المماليك البرجية وهم الشراكسة الذين جلبهم السلطان قلاوون لكي يرسخوا لحكمه ويدعمون مركزه ، وقد فعلوا كل ما أراد إلى أن استولوا هم أنفسهم على الحكم من أحفاده الذين جاءوا من بعده .
أما عن تسمية المماليك البرجية بهذا الاسم فذلك لأن السلطان قلاوون جعل أبراج القلعة مقرًا لسكنهم ، وكان للمماليك دورًا بارزًا في معركة فارسكور والمنصورة ضد الحملة الصليبية بقيادة لويس التاسع ، وبفضلهم تمت هزيمة لويس التاسع وأسره بعدما تمزقت قواته بين أسير وقتيل .
كما أن معركة عين جالوت كانت خير شاهد على بسالة المماليك ، ومدى قدرة قطز والظاهر بيبرس في صد هجوم المغول عن المنطقة العربية بعدما سيطر المغول على الخلافة العباسية ببغداد ، ولم يكن إحراز الانتصارات في الحرب وحده هو فضيلة المماليك الوحيدة ، فقد كان ملوكهم وسلاطينهم من عز الدين أيبك و شجرة الدر، وسيف الدين قطز ، والظاهر بيبرس والمنصور قلاوون، وأولاده وأحفاده ، الأشرف خليل ، والناصر حسن ، والناصر محمد وغيرهم هم أهل حرب وسياسة أيضًا .
فقد كانت لديهم رؤية اقتصادية حكيمة ودبلوماسية محنكة ، جعلت الأحوال تنتعش تحت حكمهم فساد الأمن في ربوع السلطنة ، التي امتدت من الشام والعراق إلى اليمن وبحر العرب جنوبًا ومن ليبيا غربا إلى دجلة والفرات شرقًا ، حيث توحدت تلك المناطق وانتشرت التجارة فيما بينهم .
وكانت عواصم دولهم مقصدًا للعلماء والتجار والأطباء والحكماء والأدباء والشعراء ، وساد في عهدهم عصرًا من السلام الإسلامي كفل حرية انتقال الأفراد والأموال بين الدول بحرية تامة ، وكانت عاصمتهم آنذاك القاهرة مقصدًا للرسل ووجهة للسفراء القادمين من أوروبا وبيزنطة والحبشة ، فقد كان الكل يطلب ودهم وصداقتهم في ذلك الوقت .
وذلك لأن دولة المماليك في بدايتها كانت قوية مزدهرة ومهابة في الخارج بسبب قوة حكامها ورخاء أحوالها ، ويتحدث ابن خلدون عن المماليك فيقول : إن الحكم في زمن المماليك هو (سلطان ورعية) أي أن السلطة تتمركز في أيدي أرباب السيوف ومماليكه ، الذين يدافعون عن الدولة ضد أعدائها وينشرون الأمن بالداخل .
ومما عمل على تقدم المماليك هو مساندة الرعية لهم وتقديمها يد العون ، أي أن أهل البلاد والعباد من أصحاب الإدارة والتشريع والتجارة وغيرهم ، ساهموا في إدارة الأمور الاقتصادية وأمور العامة من الشعب ، فحدث نشاط اقتصادي بكل فروع الدولة عمل على تقويتها وتدعيمها ، وتظهر أثاره المماليك وفنونهم الرائعة في عواصم تلك الدول التي حكموها ؛ كفلسطين والشام والحجاز ومصر وغيرها من الدول التي حكمها المماليك العظام .