وقف أمام النافذة مراقبًا القمر المتكئ خلف الغيوم المتقلبة المزاج ، سمع بطنه يعزف مقطوعة الجوع ، دون تردد توجه إلى الثلاجة ، وأخرج منها بقرة كبيرة ، ونام تحتها ليرضع منها .
آلام الوضع :
سمع زوجته تصرخ بألم ، قائلة : انقلني إلى المستشفي فورًا ، لقد حان موعد وضعي !.على الفور ترك بقرته ، وأخرج من مزهرية فخارية حماره الذي يستطيع الطيران ، بفضل نجاح عالم عربي بتحسين الهندسة الوراثية لهذا الحمار ، ومزجها بهندسة الخفاش الوراثية ، وتبع العالم العربي عالم باكستاني مبدع ، وضع في ذيل الحمار محركًا نوويًا لتصبح سرعة طيرانه كسرعة طائرة نفاثة .
الذهاب إلى المستشفي :
نهق الحمار وحلق مبتعدًا عن الأرض ، حاملاً المرأة وزوجها ، الذي يركله طالبًا سرعة أكبر ، فأقرب مستشفي تقع على الساحل الأوروبي للبحر الأبيض المتوسط ، ولسبب ما كان هناك قصور بالسرعة ، أقلق الزوج المحاصر بآهات زوجته العنيفة المستمرة .
فهوى في الهواء :
وتسرب التشاؤم إلى داخله ، لما رأى عنق الحمار خالي من التعويذة الدائمة ، ولم يخطئ احساسه ، فبدخول الأجواء الأوروبية ، استقبلته بحماس المطبات الجوية ، والعواصف والأمطار التي صعب جراءها الرؤية كثيرًا ، وكاد الحمار أن يصطدم بطائرة الشبح ، لولا انحرافه الحاد المفاجئ ، مما أربكه وجعله يقفز بالفضاء وهو ينهق بعصبيه ويرفس ، والزوج ممسك بذيله ولجامه بقوة للسيطرة عليه ، فزعت الزوجة فزعا أخرج الطفل من أحشائها ، فهوى في الهواء !
سقوط الطفل :
نبهت زوجها وهي تبكي وتتأوه ، قائلة : الطفل سقط مني ، ابحث عنه بسرعة ، قال لها الزوج : اللعنة عليك وعلى هذا الحمار المتهور ، بحث عنه بدورانه على شكل دوائر مترابطة ، مستخدمًا شاشة الرادار ، وهو يلعن زوجته المهملة ، التي كانت تدافع عن نفسها بالبكاء ، وتلطم خديها وصدرها بقوة ، وأخيرًا وبعد أن يئس من البحث اتصل بكل نقاط الطوارئ عبر الاتصال الفضائي المزود به الحمار .
أكذوبة الطفل السماوي :
أما الطفل حين سقط فظل يهوي ، حتى استقر في أحضان كاهن ، يشارك بمراسم دفن ميت ، وتفاجأ الكاهن والحاضرون ، وصلوا شاكرين الرب ، وآمنوا بأنه معجزة نزلت من السماء ، وتناولت كل وكالات الأنباء العالمية ، خبر الطفل السماوي ، مع بعض الاضافات الطفيفة ، وصار له أتباع يقدسونه ، وزوار يتباركون ويتعالجون ويطردون الأرواح الشريرة به ، بينما يصر الوالدان على أن هذا الطفل طفلهم وأنه لم يسقط من السماء ، انما سقط منهما أثناء طيرانهما .
الخلاف المتصاعد :
واشتد الخلاف بين الكنيسة وبلد الوالدين ، وبين أوروبا وآسيا ، وحاولت الولايات المتحدة ايجاد حد للخلاف ، لكنها لم تنجح وانما أشعلت فتيل الحرب الأهلية بين القارتين الجارتين ، ومنذ البداية ظهرت قسوة ووحشية الحرب ، فتلك القارتين تدمران حقدًا دفينًا بسبب الثارات القديمة ، وهيئ كل شيء لهذه الحرب ، من أسلحة إلى عوامل نفسية وتاريخية وإعلامية ، وأخيرًا تعاطفت أفريقيا مع آسيا ودخلت الحرب ، وأمريكا الشمالية تعاطفت مع أوروبا ، فزاد عدد الضحايا والخطابات الكاذبة والوعود الواهية والخرافات السياسية .
وتم اعدام الأسرى من كلا الطرفين ، وفرز الضحايا بين شهداء وخونة وأعداء ، ونتيجة الكساد الاقتصادي العالمي ، وقعت المجاعات ، وزاحم البشر الحيوانات على علفهم ، وصار الرجال الوقورون يقودون بناتهم على الرذيلة ، مقابل حفنة القمح ، والأمهات يبلغن السلطات بخيانة أبنائهن ، ليتسلمن المكافآت المادية ، وأصبح المواطنون يجاملون السلطات على حساب مبادئهم وأحلامهم وقهرهم وجوعهم ، وألغت السلطات الديانات جميعها دون تمييز ، وأخيرًا انتشرت الأمراض والأوبئة لتحصد من لم يقحم في حقول المعارك .
مفاوضات لمدة عشرين عامًا :
كانت هناك دول ترفض هذه الحرب المجنونة ، ومن بين هذه الدول المحبة للسلام ، أمريكا الجنوبية المشغولة دائمًا وأبدًا ، بتطوير لعبة كرة القدم ، وكان لهذه الحرب أثر سيء على تطوير لعبة كرة القدم ، وخصوصًا في كولومبيا ، بعد أن انتشر في شوارعها بنات وأولاد السوء النازحين من الدول المتحاربة ، وهم يهربون الأمراض والموت تحت جلودهم أينما وصلوا ، وبعد جلسات ومفاوضات ومداولات سرية لمدة عشرين عامًا ، استطاع الرئيس الكولومبي ينهي القتال ، بموافقة حلف أوروبا على أخذ الجزر اليابانية تعويضًا عن الأضرار التي لحق به .
فقاعات رمادية :
واتضح بعد نهاية الحرب ، أن سبب قيامها بذلك ، هي رغبة دول آسيا وأفريقيا لإعادة الاستعمار الأوروبي لبلدانها ، بعد فشل حكوماتها الوطنية ديموقراطيًا واقتصاديًا ، أما بالنسبة للطفل السماوي الذي لم يذكر في بروتوكول السلام ، فقد صرح رئيس ايطاليا بأن الطفل أعدم في أوروبا ، لما بلغ عقدين من عمره ، لإدارته منظمة مشبوهة سرية تدعو للسلام !