تعتبر أجاثا كريستي واحدة من أشهر أدباء القصة البوليسية ، فقد نالت نجاحًا في منقطع النظير في روايتها ليس على الصعيد الغربي فحسب ، بل عبرت الحدود وانتشرت في أرجاء العالم بكتاباتها المميزة ، وقد قدرت مبيعات روايتها بالانجليزية بما يقرب لمليار رواية ، ومليار أخرى بلغات متعددة كان من ضمنها العربية .
والجدير بالذكر أن أجاثا حظيت بشعبية لم يحظ بمثلها كاتب ولا مؤلف قط ، وظلت أجاثا كريستي متربعة على عرش الأدب البوليسي ولم يزاحمها في نجاحها أحد سوى المؤلف الإنجليزي الرائع السير آرثر كونان دويل الذي ابتكر شخصية شيرلوك هولمز المخبر الإنجليزي الرهيب الذي أسر ألباب وعقول القراء والمشاهدين .
لم تكن حياة كاتبة الخيال البوليسي أقل إثارة من حياة أبطال روايتها ، فقد حدثت لها قصة غريبة شغلت الرأي العام البريطاني لفترة طويلة ؛ لأنها كانت وقتها كاتبة شهيرة لها قراء ومعجبين يهتموا لأمرها ، ولكن قبل أنت نتعرض لتلك القصة علينا أن نعرف الأسباب التي مهدت لها .
في بداية حياة أجاثا تعرفت على الكولونيل أرشيبالد كريستي وتوجت علاقتهما بالزواج ، ومنه حملت لقب كريستي الذي لازم اسمها على الدوام ، وقد أثمر هذا الزواج عن طفلة واحدة تدعى روزلند ، ولكن للأسف لم تكن زيجتها سعيدة ، فلم تجد أجاثا في حياتها الوفاق والتفاهم الذي كانت تبحث عنه دائمًا بين حبكات رواياتها .
وما زاد الطين بله اكتشاف أجاثا خيانة زوجها لها ، مع عشيقة تدعى نانسي نيل ، الأمر الذي جرحها كثيرًا وزاد من معاناتها ، وبعد مشاجرة عنيفة وقعت مع زوجها اختفت أجاثا كريستي !
حيث خرجت في مساء الأول من ديسمبر عام 1926م من بيتها في بيركشاير ، بعد أن قبلت طفلتها الصغيرة ، وأخذت معها حقيبتها واستقلت السيارة الخاصة بها ، ولكن لم تعد وفي اليوم التالي تم العثور على سيارتها مصطدمة ببعض الأشجار ، ولم تكن أجاثا بها .
اختفت أجاثا ذات الـ 36 عامًا دون أن تترك لها أي أثر ، وصارت بين عشية وضحاها حديث الصحافة المحلية في بريطانيا ، وأخذت السلطات البريطانية في تمشيط المنطقة والبحث عنها ، وعاونهم في ذلك زميلها المؤلف الصاعد آرثر كونان .
وبدأت أصابع الاتهام تتجه صوب زوجها في قضية اختفائها ، وذلك حتى يخلو له الجو مع عشيقته نانسي نيل ، وبدأت الشائعات تتوالي عن مقتل أجاثا والصحف تكتب عن قصة تعاستها مع زوجها وعلاقته بعشيقته حتى مر إحدى عشر يومًا كانت فيهم أجاثا حديث الجميع .
حتى شوهدت الكاتبة الصاعدة في أحد فنادق روهيت وهي متنكرة في شخصية سائحة من جنوب أفريقيا ، كانت تلهو وتلعب وتضحك والغريب أنه حينما علم زوجها بأمر وجودها توجه إلى الفندق على الفور ، ولكن حينما رأته أجاثا كان يبدو أنها تراه لأول مرة في حياتها ، فلم تعرفه أو هكذا ادعت لا أحد يدري الحقيقة حتى الآن .
وقد علل الزوج ذلك بإصابة أجاثا بنوع من فقدان الذاكرة ، هو الذي تسبب في غيابها عن المنزل وعدم معرفته له ، والعجيب أيضًا في قصة اختفاء أجاثا أنها وقت خروجها من المنزل كانت ترتدي ثوبًا رماديًا بسيطًا ، ولم يكن بحوزتها نقود كافية ولكنها حينما ظهرت كانت تستأجر غرفة بفندق فخم وترتدي ثيابًا أنيقة وتصرف ببذخ !
عادت أجاثا إلى بيتها وحياتها وطوت تلك الصفحة ولم يفتحها أحد ، ولكنها سرعان ما انفصلت عن زوجها وبدأت حياة أخرى بزواج جديد من عالم الآثار ماكس مالون ، لتبدأ معها صفحة جديدة مليئة بالقصص والروايات التي خلبت ألباب وعقول الملايين .
وقد حاول العديدين سبر أغوار لغز اختفاء الكاتبة البوليسية الأشهر في التاريخ ، ببعض التكهنات فهناك من قال أنها كانت محاولة نسائية لإثارة ذعر زوجها وإلهاءه عن علاقته بنانسي نيل ، أو لتفضحه على الملأ أمام الجميع .
وهناك من ذهبوا بخيالهم إلى شيء أبعد ، وهو أن كاتبة بعقلية بوليسية كأجاثا خططت للاستفادة من تلك الحادثة ، عن طريق لفت الانتباه إليها والحصول على الشهرة العريضة ، وبالتالي ترويج مبيعاتها بصورة كبيرة.
أما المتعاطفون فكانت تكهناتهم تنحصر في وقوع فقدان ذاكرة فعلي لأجاثا ، عقب صدمتها في زوجها وموت والدتها ، الأمر الذي جعل علها الباطن يرفض كل أحداث الواقع ويلجأ لإحدى حيل الإنقاذ وهي فقدان الذاكرة ، بالإضافة إلى بعض التكهنات المشينة التي حاولت تفسير وجود نقود كثيرة مع أجاثا خلال تلك الفترة الصغيرة التي غابتها.
ولكن الأمر المحير فعليًا هو رفض أجاثا الإدلاء بأي حديث عن تلك الفترة السابقة من حياتها ، وعدم تفسير سبب اختفائها ، ليظل لغز الأحد عشر يومًا سرًا يحير العالم ، وتظل أجاثًا هي الشخصية الأكثر غموضًا في تاريخ الأدب الإنجليزي .