نسجت العديد من القصص والأساطير حول عجائب وغرائب بحر الظلمات ، وهو الاسم العربي للمحيط الأطلسي إبان العصور الوسطى ، وقد كان حينها لغزًا مجهولًا بالنسبة للسكان القدامى ، الذين ترسخت لديهم معتقدات تشير إلى أن خلف هذا المجرى المائي العظيم تقع نهاية العالم .
إلى أن جاء كريستوفر كولومبوس 1492م ، وحطم تلك المعتقدات باكتشافه لوجود قارة عظيمة تقبع خلف المحيط ، ولكن هل كان كولومبس هو أول من عثر على تلك القارة أم هناك من سبق ؟ ذلك ما سنعرفه في تلك القصة .
منذ منتصف القرن المنصرم ومع ولع الناس بقصص الألغاز والماورائيات ، كالصحون الطائرة وغرق الأطلنطس وبعض الغرائب الموجودة في الحضارات المختلفة ، خرجت بعض الكتابات عن وجود أناس سبقوا المكتشف كريستوفر كولومبوس في اكتشاف أمريكا بمئات السنين أو أكثر .
وكثرت الأحاديث عن السفن الفرعونية والسومرية والفينيقية التي حطت رحالها بالقارة الجديدة ، كما شاعت كتابات عن أن حضارة أمريكا ما هي إلا امتداد لحضارات العالم القديم ، ورغم ذلك ظلت كل تلك الكتابات مجرد حبر على ورق بسبب عدم إثباتها ، وظل اكتشاف كريستوفر هو الشيء الثابت الحقيقي في تلك القصة .
أرض الخمور :جنة الفايكنغ المفقودة :
والفايكنغ هم قبائل بربرية استوطنت في شمال أوروبا ، فيما يعرف اليوم بالدول الإسكندنافية ، وقد اشتهروا بالقوة والرجال الأشداء ، والمراكب البحرية الطويلة وعرف عنهم بطشهم ومحاولاتهم بث الرعب والخراب في كل أنحاء أوروبا ، وذلك في مطلع القرن التاسع للميلاد .
وتعني كلمة فايكنغ (Viking ) : القرصان في العديد من اللغات الأوروبيَّة ، وقد كان رجال الفايكنغ بحارة من الطراز الرفيع ، يمتلكون الخبرة والمهارة حيث جابت سُفنهم البحار والمحيطات من أجل التجارة مع البلدان القريبة والبعيدة ، حتى أنهم وصلوا إلى البحر المتوسط وشمال إفريقيا ، للتجارة بالبضائع والعبيد .
وقد عرفهم العرب منذ القدم وسمُّوهم بالرس ، كما كتب عنهم ابن فضلان في رحلته المعروفة إلى بلاد الصقالبة ، وذلك حين أرسله الخليفة العباسي المقتدر بالله في بعثة دينيَّة إلى ملك البلغار، ويعدُّ كتاب ابن فضلان واحدًا من أهم المراجع التاريخية الذي يعتمد عليها الباحثون الأوربيون في دراستهم لمجتمع الفايكنغ ، وشعوب شمال أوروبا .
والفايكنغ هم أوَّل من اكتشفوا البحار الشمالية ، وقاموا بتشييد مُستعمراتهم في أيسلندا وجرينلاند ، وذلك في بداية القرن العاشر للميلاد ، والغريب أن الفايكنغ لم يتركوا أي أثر أو كتب أو حتى وثائق تُؤرخ لفترة وجودهم ورحلاتهم الاستكشافيَّة تلك .
ولكن على الرغم من هذا سجل بعض المُؤرخين الأوربيين تلك الرحلات ، والتي حدث أغلبها عن طريق الصدفة ، حيث خرجت بعض السفن عن مسارها بسبب العواصف والرياح ، وجنحت لمناطق نائية عن وجهتها لتجد نفسها بعد عدة أيام تقف أمام شواطئ جديدة لم تكن تعرفها من قبل .
فنزلوا إليها وشيدوا مستعمراتهم فيها بالتدريج ، وهذا ما أثبته علماء الآثار والتاريخ ، حيث تم اكتشاف بقايا لمستعمرات الفايكنغ التي كانت موجودة في تلك الأصقاع ، ولكن للأسف لم يستطيع العلماء تحديد منطقة أخرى ذكرت في الوثائق القديمة تحت اسم فينلاند (Vinland ) أو (Wine land) والتي تعني أرض الخمور .
وذلك نسبة إلى شجيرات العنب التي كانت تنمو بأرضها الخصبة من تلقاء نفسها ، فيصنع منها أفضل أجود أنواع الخمور وأجودها ، وعن اكتشافها روت بعض الوثائق القديمة (Saga of the Greenlanders ) أنَّ أحد رجال الفايكنغ حينما أبحر لزيارة والده من أيسلندا إلى جرينلاند ، داهمت سفينته عاصفة قوية ألقت بها بعيدًا عن وجهتها .
وظلت السفينة هائمة في الماء دون وجهة محددة ، حتى وجد الفايكنغ أنفسهم بعد عدة أيام أمام أرض جديدة ، تكسوها الغابات الخضراء الكثيفة ولكن نظراً لاستعجالهم في العودة لم ينزلوا إلى الشاطئ ، ولكن حينما عادت سفينة الفايكنغ وذاعت قصة ركابها أثارت فضول الكثيرين وجعلتهم يتشوقون إلى الوصول إلى تلك الأراضي الخضراء .
خاصة وأن جرينلاند كانت أرضًا جرداًء ، يصعب فيها الحصول على خشب الأشجار ، لذا تشجع أحد البحارة المغامرين والذي يدعى ليف اريكسون (Leif Ericson ) وقام بالإبحار عام 1003م بحثًا عن تلك الأرض الجديدة ، وبالفعل وصل إليها وأقام بها مستعمرة صغيرة .
وحاول ليف إقناع الكثير من رجال الفايكنغ بالاستيطان في تلك المستعمرة ، ولكن محاولاته باءت بالفشل ، فلم تستمر المستعمرة سوى لسنواتٍ قليلة ، و ذلك لعدة أسباب أهمها بُعد المستعمرة عن جرينلاند المستوطنة الرئيسية للفايكنغ ، بالإضافة إلى قلة عدد النساء في المستعمرة .
الأمر الذي أدى إلى نشوب النزاع بين الرجال حولهن ، كما عجل بانتهاء المستعمرة هجمات سكان الأرض الأصليين من الهنود الحمر عليهم ، ولذلك هجر الفايكنغ المستعمرة بعد وقت قليل ، وعادوا مرة أخرى إلى أرضهم الأصلية جرينلاند .
ظن الباحثون لسنواتٍ طويلة أن فينلاند هي مجرد أسطورة ، أو قصة خيالية من قصص العصور الوسطى ، ولكن في حدود عام 1960م استطاع علماء الآثار اكتشاف الحقيقة بعد توصلهم لبقايا مستعمرة الفايكنغ في جزيرة (نيوفاوندلاند) الكندية. (Newfoundland) .
وكانت المستعمرة عبارة عن عدة أكواخ صغيرة ، قام العلماء باستخراج مئات القطع الأثرية منها ، والتي تدل بشكلٍ قاطع على أن سكان هذه الأكواخ كانوا من جماعات الفايكنغ ، والجدير بالذكر أن بعد هذا الاكتشاف أدرجت اليونسكو المستعمرة المسماة (L’Anse aux Meadows ) كجزء من التراث العالمي ، كما قامت السلطات الكندية بتحويلها إلى متحفٍ ، وأعادت ترميم الأكواخ وتأثيثها من جديد .
ورغم هذا الاكتشاف الواضح لوجود تلك المستعمرة ، إلَّا أن البعض يعتقد أنها لا تمثل سكنًا متأصلًا ولم تكن سوى مخيم مؤقت ، مقارنة بالمستعمرة الحقيقية التي تقع ناحية الجنوب من الجزيرة ، وهناك من ادعى بأنها كانت تقع على سواحل الولايات المتحدة الأمريكية .
ومع تلك الاختلافات يتضح أن موقع فينلاند أيا كان مكانه ، يؤكد بأن المستعمرة المكتشفة في شمال جزيرة نيوفاوندلاند ، هي دليل واضح لا يقبل الشك في أن الفايكنغ قد سبقوا كريستوفر كولومبوس و الأسبان في اكتشاف القارة الأمريكية بنحو 500 عام .
ولعل السبب الرئيسي خلف فشل الفايكنغ في احتلال أمريكا والاستيطان بها يرجع إلى الاحتكاك مع الهنود الحمر وهم سكان القارة الأصليين ، حيث أن الفايكنغ حينها لم يكن لديهم الأسلحة النارية التي تمكنهم من التغلب على هؤلاء الهنود ، ولكن حينما جاء الأسبان تمكنوا بفضل أسلحتهم من استعمار القارة .