تعد الليرة الإيطالية واحدة من أقدم وأهم العملات في التاريخ فلها عراقة وجذور حضارية ممتدة ولهذا السبب قامت عدد من الدول الأخرى بأخذها اسمًا لعملاتها مثل سوريا ولبنان ، وتعود قصة العملة الإيطالية لزمن بعيد عندما كانت روما القديمة تستخدم قطعة معدنية قديمة تسمى جيرنيوس ، قد عُرفت لأول مرة عام 212 قبل الميلاد .
ثم انهارت الإمبراطورية الرومانية عام 467 ميلادية ، مما أدى لإزالة هيمنة روما عن بلاد أوروبا وحوض البحر الأبيض المتوسط ، مما أدى لتأثر قيمة العملة بسبب تلك الأحداث ، واقتصر تداولها على بعض المدن داخل شبة الجزيرة الإيطالية ، أيضًا مع سقوط الإمبراطورية الرومانية انقسام إيطاليا لعدة مدن وإقطاعيات مستقلة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا أيضًا ، بالطبع لكل مدينة عملتها بأوزان وأحجام مختلفة وسميت جميعها اسم ليرة .
والليرة تعني وحدة وزن رومانية مستوحاة من الكلمة اللاتينية والتي تعني الميزان ، وعندما حكم نابليون بون بارت شبة الجزيرة الإيطالية عام 1807م وظلت الليرة هي العملة المستخدمة داخل المناطق التي خضعت للحكم الفرنسي ، ولكنه أصدر عدد من الفئات الجديدة من العملة الإيطالية .
ثم مع الوحدة الإيطالية عام 1861م اعتمدت الدولة الجديدة عملة الليرة الايطالية كعملة رسمية ، وتوقف العمل بالعملات المحلية التي كانت سائدة داخل المدن والإقطاعيات الإيطالية المنقسمة ، وفي نفس العام تم صك عملة جديدة لتصبح رمزًا للوحدة الإيطالية بعد الاتحاد السياسي .
كان قد سبق إيطاليا دول أوروبية أخرى لبناء أسواق جديدة وفتح مستعمرات ، فقد جاءت وحدة إيطاليا متأخرة بعض الشيء وأخفقت إيطاليا في الحصول على مستعمرات لها داخل أوروبا فضاقت السبل الإيطالية وانخفضت قوة الليرة ، واضطرت إيطاليا لطبع عملات منها بمئات .
ثم في عام 1865م انضمت إيطاليا إلى اتحاد النقد اللاتيني ، فأصبحت الليرة تساوي كل من الفرنك الفرنسي والسويسري ، ثم حاربت ايطاليا بريطانيا بمشاركة النمسا وذلك أملًا في الحصول على بعض المكاسب لكي تتخطى بها الأزمة الاقتصادية ، ولكنها خسرت الحرب مما أدى إلى تدهور عملة الليرة .
بعد ذلك قاد موسوليني معركة الليرة من أجل مواجهة الأزمة الاقتصادية ، فأنفرد بالحكم وفكر في حلول لهذه الأزمة ، فقام بسحب بلاده من الاتحاد اللاتيني للنقد عام 1927م ، وأصدر قانون بتبادل العملات مما أدى لحل مشكلة التضخم بشكل مؤقت ، ومن أجل القضاء التام على مشكلة التضخم قام باحتلال الحبشة عام 1935م ولكن ذلك التوسع لم يحل المشكلة ، وتأثرت الليرة بشكل كبير ، فاضطر الايطاليون التنازل عن مقتنياتهم الذهبية وأن يقدموها لموسوليني لمساعدته لمواجهة الأزمة الطاحنة .
ورغم ذلك ظلت إيطاليا في حاجة للمال ، مما دعا السلطات لطبع الأموال دون رصيد فاستمرت الليرة في التدهور ، ثم وقعت الحرب العالمية الثانية ووقف موسوليني مع هتلر وسقطت روما على يد معسكر الحلفاء وتهاوت العملة الإيطالية بشدة ، ثم سقطت الفاشية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ، وعادت البلاد الايطالية لنظام الاقتصاد الحر ، وعاد معها صك العملات المعدنية بعد توقف استمر بسبب الحرب ، ثم عملت الحكومات الإيطالية بعد ذلك على معالجة التضخم وكان ذلك بلا جدوى .
وفي عام 1984م اختفت الليرة فئة الواحد والاثنين لضعف قيمتها ، وأصبح الليرة من فئة الخمسمائة بسبب التضخم ، حتى ظهر اليورو كعملة جديدة في ايطاليا عام 1999م إلى جانب الليرة والتي تم إلغاء التعامل بها عام 2002م ، وحافظت إيطاليا على هويتها الحضارية ورسمت وجوه عظمائها أمثال دافنشي على العملة الجديدة .