لا أحد يستطيع أن يشك بذكاء ومنطق ، كاتب القصص البوليسية الذي ابتكر شخصية شرلوك هولمز الشهيرة ، السيد آرثر كونان دويل ، كما أنه من العسير أن يتمكن أحد من خداع هذا الكاتب ، ومع ذلك فقد صدق السير آرثر ، فتاتين صغيرتين قالتا بأنهما التقطتا صوراً مع الجن والأقزام الخرافيين ، فهل كانت الصور حقيقية ؟ أم أن الأمر التبس على الكاتب الكبير كما التبس على غيره ممن شاهد الصور ؟
إلسي وفرانسيس والجنيات :
كانت الفتاة فرانسيس جريفيت البالغة من العمر 11 عاماً ، تعيش في بيت قريبتها إلسي رايت البالغة من العمر 15 عاماً ، نظراً لأن والد فرانسيس كان يحارب في فرنسا ، أثناء الحرب العالمية الأولى .
وفي شهر يوليو 1917م ، استعارت إلسي رايت كاميرا والدها ، والتقطت لفرانسيس صورة في حديقة المنزل ، وبعد الظهر شرع الوالد بتظهير الصورة في الغرفة المظلمة ، وفوجئ بوجود أشكال غريبة أمام صورة فرانسيس ، فظنها في بداية الأمر أوراق السندويتشات ، غير أن إلسي أصرت على أن هذه الأشكال كانت لجنيات ، وقد قالت ذلك دون مبالاة وخرجت لتلعب مع صديقتها وقريبتها فرانسيس .
إلسي والقزم الخرافي :
بعد أسابيع قليلة استعارت الفتاتان الكاميرا ثانية ، والتقطتا بعض الصور في الحديقة ، وفوجئ الأب ثانية بعد تظهير الفيلم بصورة لابنته هذه المرة إلسي ، وأمامها قزم خرافي يقدم لها وردة ، ولقد اتهم الأب الفتاتين بأنهما تحتالان عليه وتعبثان بالكاميرا .
ولذلك قرر عدم إعطائها لهما مرة أخرى ، كما أنه عاد وتفحص مسودة الصور بحثاً عن خيط أو ما شابه ذلك يتدلى أمام عدسة الكاميرا ، ثم فتش مع زوجته بولي غرفة نوم الفتاتين بحثاً عن أشكال شبيهه بالأشكال التي ظهرت في الصور ، لكنهما لم يجدا شيئاً ، بعد ذلك قام الأب بعمل عدة نسخ من الصور الخاصة بالفتاتين مع الجنيات ، وعرض بعضها على جيرانه بدافع التفكهه ، ثم تم نسيان الموضوع .
بعد مرور عام :
بعد مرور عام تقريباً ، رجع والد فرانسيس من فرنسا ، وكتبت فرانسيس رسالة إلى صديقة لها في جنوب أفريقيا ، حيث ولدت وترعرعت في سنواتها الأولى ، وأرفقت مع الرسالة صورتين ، وقد جاء في الرسالة : أنا أتعلم هذه الأيام في المدرسة اللغة الفرنسية والهندسة والجبر والطبخ ، عاد والدي الأسبوع الماضي من فرنسا بعد غيبة عشر شهور ، وجميعنا نعتقد أن الحرب تنتهي خلال أيام قليلة ، أبعث إليك مع الرسالة صورتين لي ، واحدة وأنا في ثوب السباحة وقد التقطها العم جاك ، والثانية لي مع بعض الجنيات .
وقد إلتقطتها إلسي . كيف تيدي ودلي ؟ ، أما الصورة الثانية فقد كتبت على ظهرها ، ما يلي : أنا وإلسي أصحاب جداً مع الجنيات ، ومن الغريب أنني لن أشاهدهن في أفريقيا ، ربما لأنهن لا يطقن الحر الشديد .
اجتماع الجمعية الروحية:
وفي عام 1919م ، عادت صور الجنيات فأثيرت ، ولكن هذه المرة على نطاق واسع ، ففي ذلك العام ذهبت السيدة بولي رايت إلى أحد اجتماعات جمعية روحية ، في برادفورد تهتم بالسعي إلى معرفة الله عن طريق التأمل الفلسفي ، والكشف الصوفي ، وهناك تحدثت السيدة بولي عن صور الجنيات ، التي التقطتها ابنتها وصديقتها ، فطلب أحد أعضاء الجمعية ، السيد إدوارد جاردنز ، الإطلاع على الصور .
تطور الموضوع والصحافة:
دهش السيد جاردنر عندما شاهد الصور ، وعرضها على خبيرين في التصوير ، وطلب منهما توضيح الصور ، ففعلاً ، وحصل على نسخ شديدة الوضوح ، وكان من الممكن أن يقف الأمر عند هذا الحد ، غير أن إحدى صحف لندن طلبت في ذلك الوقت من السيد آرثر كونان دويل ، أن يكتب مقالة عن الجن ، فاستعار الصور من جاردنر وعرضها على عالم النفس السيد أوليفر لودج ، الذي أفاد بأنها مجرد هراء ، و لما عاد فعرضها على خبير في التصوير .
قال الأخير : بأن الصور قد تكون حقيقية ، لأن الصور تدل على أن الجنيات كن يتحركن ببطء ، أمام عدسة الكاميرا ، بعد ذلك طلب السيد آرثر من جاردنر ، أن يجري مقابلة مع عائلة السيد رايت ويتحقق من صدق الرواية ، فعاد جاردنر وأخبر السيد آرثر الصور ، ووضع بعضها في مقالته فأثار بذلك موجة عارمة من الاهتمام بالموضوع ، بعض الصحف سخرت من الأمر ، وبعضها أجرى مقابلات مع الفتاتين ، وقال بأن الأمر يكتنفه الغموض .
صدق الفتاتين وصور جنيات جديدة :
عاد السيد آرثر إلى جاردنر وأعطاه كاميرا فيها فيلم ، عليه بعض العلامات السرية ، وطلب منه أن يتوجه إلى منزل السيد رايت ، ويطلب من الفتاتين التقاط بعض الصور الجديدة لهما مع الجنيات .
ولسوء حظ السيد جاردنر كان الجو ممطراً في تلك الفترة ، وقد استمر المطر عدة أيام فاضطر إلى ترك الكاميرا مع الفتاتين بعد أن أرشدهما إلى طريقة استخدامها ، وبعد شهر وصلته رسالة من السيدة بولي وفيها ثلاث صور تظهر فيها الجنيات مع الفتاتين ، وقد فرح عندما تحقق من وجود العلامات السرية على الصور ، فتأكد بذلك من أن الفتاتين قد استخدمتا الفيلم ، الذي أعطاهما إياه ، وحسب تعليماته .
تعزز إيمان السيد جاردنر بصحة الصور وصدقها ، وأبرق بالأخبار السعيدة إلى السيد آرثر ، الذي كان في ذلك الوقت في استراليا ، رد السيد آرثر برسالة عبر فيها عن سعادته فقال : لقد فرحت كثيراً عندما استلمت رسالتك ، ومعها الصور الثلاث الرائعة ، التي تؤكد النتائج التي وصلنا إليها من قبل ، و عندما يتم التسليم بوجود الجن ، فإن ظواهر نفسية أخرى سوف يتم تقبلها .
التشكيك في وجود الجنيات :
غير أن المتشككين ظلوا على شكهم ، بل إن والد إلسي ، السيد آرثر رايت ، عجب كيف أن كاتباً كبيراً ، مثل السيد آرثر صدق ابنته التي هي الأخيرة في صفها ، وعندما توفي السيد آرثر كان لا يزال على اعتقاده بصدق صور الجنيات ، وعلى إيمانه بحقيقة الصور التي نشرها في مقالته .
اكتشاف علمي حديث :
واليوم هناك أدلة علمية تشير إلى احتمال وجود الأقزام العمالقة على الأقل ، ففي عام 1959م تمكن عالم الآثار ماكلين ماي ، من العثور على اكتشاف مدهش أثناء تنقيبه على الآثار في ايرلندا ، حيث وجد بقايا حضارات يعود تاريخها إلى 7000 سنة قبل الميلاد ، بينها أدواتٍ وأفراناً وأنفاقاً لا يمكن استخدامها إلا من قبل شعب من الأقزام .
بين الحقيقة والخيال :
ومهما كانت الحقيقة ، فإن أساطير الجن ، وعوالم الأقزام الخرافيين مازالت تجد صداها لدى شعوب ايرلندا وسائر الجزر البريطانية حتى اليوم ، ومن يشك بوجود الجن ، فليسأل السيد آرثر كونان دويل !