تعتبر السينما من أكثر وسائل التسلية اجتذابًا للجمهور ، وقد تحولت السينما من وسيلة تسلية إلى صناعة كبرى خلفها اقتصاد ضخم ، ويعتبر يوم 28 ديسمبر 1895م هو البداية الرسمية لانطلاق السينما حينما قدم الأخوان لوميير أول عرض سينمائي للجمهور بمقابل مادي ، وكان ذلك في باريس حيث استأجرا الطابق الأرضي أسفل جراند كافيه وخصصاه لعرضهما الذي استمر حوالي عشرون دقيقة .
ولكن بداية السينما الحقيقية لم تبدأ في هذا التاريخ بل قبل ذلك بكثير ، فمنذ الربع الأخير من القرن الثامن عشر قد بدأ الجمهور الأوروبي يتعرف على المشاهدة البصرية حين بدأت الصحف المطبوعة في الانتشار ، وكانت تجربة خيال الظل التي غزت أوروبا قادمة من الشرق هي بداية اختبار الجمهور للصور المتحركة ، وقد تم افتتاح مسارح وإنتاج مسرحيات خاصة بعروض خيال الظل .
تطورت العروض البصرية حين بدأ رسام البورتريه روبرت باركر ، بإحاطة الجمهور بصورة زيتية اسطوانية عملاقة ، وإسقاط الضوء عليها لتبدو كأنها حقيقية ، وقد سجل باركر اختراعه عام 1787م باسم البانوراما ، بعد ذلك قام كلًا من جاك ماندي داجير وكلود ماري باوتونفي عام 1822م بافتتاح أول ديوراما في باريس ، وقد كانت الديوراما هي تطوير لشكل البانوراما حيث كان يتم عرض الرسوم الزيتية على شكل ثلاثي الأبعاد ، وقد لاقت الديوراما شعبية واسعة فتم إنتاج أجهزة صغيرة منها للاستعمال المنزلي وأطلق عليها اسم صندوق الدنيا.
تطورت الفكرة بعد ذلك وتم إنتاج الفانوس السحري ، وتعتمد فكرة عمله على أن الأجسام المضاءة إضاءة قوية وهو موضوع أمام عدسة مكبرة ، تنعكس صورته مقلوبة على شاشة في حجرة مظلمة ، وظل استخدام الفوانيس منتشر لفترة طويلة مع تطويرها وإدخال تحسينات على وسائل الإضاءة والشرائح .
وقد كانت ظاهرة بقاء الصورة والتي تعد المبدأ الفيزيائي الأساسي الذي تقوم عليه السينما معروفة منذ وقت طويل ، وقد استخدم الفيزيائيين بيتر مارك روجيه وفاراداي وجوزيف بلاتو وسايمون ستامفر ، لابتكار قرص ترسم على حافته سلسلة رسومات تمثل المراحل المتعاقبة لفعل محدد بما يشبه الرسوم المتحركة ، ويدور القرص حول محور وتتم مشاهدة الصور في مرآة عبر فتحات على محيط القرص ، ويتم تحريك القرص لخلق انطباع بحركة متصلة .
ثم قام هورنر في عام 1834م بتطوير شكل جديد من هذا الجهاز أُطلق عليه الزويتروب ، ثم تلاه راينو بجهاز أكثر تطورًا يدعى البراكسينوسكوب في عام 1876م ، وقد واصل راينو تحسين جهازه حتى قدم في باريس عرضًا عام 1892م اسماه إيمائيات مضيئة ، حيث وصل عن طريق عرض شريط متواصل من الصور إلى مرحلة أقرب للسينما .
حتى تلك المرحلة لم يكن ينقص السينما سوى عنصرًا واحد وهو التصوير الفوتوغرافي حيث أن الصور قبل ذلك كان يتم رسمها كادر كادر ، وقد كان إتقان التصوير الفوتوغرافي في ذلك الوقت يمثل سباق لحل مشكلات التصوير ، وبعد محاولات كثيرة اخترع أيتيين ماري عام 1882م ، ما يطلق عليه الغدارة الفوتوغرافية ، وكان هذا الجهاز قادًرا على التقاط 12 صورة متعاقبة في الثانية ، ومع ابتكار إيستمان كوداك للفيلم الشريط استطاع ماري أن يبتكر جهاز الكرونوفوتوغراف ، وهو كاميرا يمكنها التقاط سلسلة طويلة من الصور المتعاقبة .
وفي أثناء معرض باريس الدولي عام 1889م التقي ماري بتوماس إديسون ، والذي استمد منه فكرة استخدام الفيلم مع ابتكار فكرة تخريمه لضمان دقة تسجيل الصور ، وقد سجل إديسون براءة اختراع يدعى الكاينتوجراف في عام 1891م .
وقد كان قادًرا على التقاط حتى 40 كادر في الثانية ، وقد أُطلق على هذا الجهاز صندوق الدنيا ومن هذه النقطة يؤرخ لبدء إنتاج أفلام الرسوم المتحركة ، وقد قام إديسون ببناء استوديو أطلق عليه اسم بلاك ماريا داخل معمله ، ووضع داخله كاميرا كاينتوجراف ثقيلة ، وفي المقابل مجموعة من الفنانين والموسيقيين وفناني السيرك ، لتؤدي مقتطفات مختصرة من عروضها .
ثم تأسست بعد ذلك شركة كاينتوسكوب كومباني عام 1894م لاستثمار نجاح كاميرا إديسون ، وفي نفس العام تم افتتاح أولى القاعات في برودواي للكاينتوسكوب ، وقد انتشرت تلك القاعات بشكل كبير بعد ذلك .
حيث كان الجمهور يقومون بوضع العملات المعدنية الصغيرة بجهاز صندوق الدنيا ليحدقوا عبر فتحات عدساته لمشاهدة أفلام لا تتخطى مدتها أربعين أو خمسين ثانية ، بعد ذلك قام هنري جولي بتطوير صندوق الدنيا ليحتوي على أربع فتحات للمشاهدة .
وفي نهاية هذا السباق فاز الأخوين لومير باختراع السينما حيث أنهما كانا من الأثرياء وكان لويس لومير وأوجست لومير يعملان بمصنع والدهما لأدوات التصوير الفوتوغرافي بمدينة ليون ، وقد نجحا في تصنيع الألواح الفوتوغرافية ، وفي عام 1895م نجحا في تسجيل براءة اختراع جهاز يقوم بتصوير الأفلام وعرضها ، وقد عرف الجهاز باسم السينماجراف .
وقد انشغل الأخوان لوميير بعد ذلك في تقديم عروض دعائية لمنتجهما ، وبعد عدة محاولات قاما باستئجار قاعة الصالون الهندي ليقدما بها أول عرض سينمائي في التاريخ ، وقبل نهاية عام 1896م كانت السينما قد انتشرت عبر أوروبا وأمريكا خلال توكيلات أصحاب القاعات الموسيقية ومحترفي العروض ، وتوالت بعد ذلك عمليات التطوير حتى وصلنا للمستوى الحالي في إنتاج أفلام عالية الجودة .