على النقيض ليس شرطًا أن نطرح الأسئلة الصحيحة لنصل بها إلى اكتشافات ! ، هذا هو ما حدث أثناء عمل يوهان جريجور مندل ، الذي ولد عام 1822م في النمسا لأسرة متواضعة تملك مزرعة صغيرة ، وبدا نابغًا في دراسته لدرجة أنه لفت نظر راعي كنيسة قريته ؛ فقرر إرساله إلى معهد الفلسفة بألوموك استعدادًا لإلحاقه بالجامعة .

لكن نتيجة الفقر اكتفى بقبوله عرض أحد اساتذته بالالتحاق بدير برنو ، وفي سبتمبر عام 1843م تم قبوله ببيت الرهبان ، وبدأ يُعَلِّم في المدارس ومعاهد المناطق القريبة مخصصًا وقت فراغه لدراسة العلوم الطبيعية .

لكن في سنة 1849م صدر مرسوم يُلزم القائمون على التدريس بالحصول على درجة أكاديمية ؛ فمضى مندل إلى فيينا ليجتاز الاختبارات لكنه كان على حد وصف ممتحنيه : لا يدري شيئًا عن المصطلحات العلمية ، وعلى الرغم من دراسته بحمية واهتمام إلا أنه يفتقر إلى المعرفة ، وحتى القليل الذي يعرفه لا يعرفه بوضوح كافٍ .

لم ينل الاحباط من مندل وابتداءً من عام 1851م عاد إلى فيينا ؛ ليلتحق بمحاضرات الفيزياء التي كان يلقيها يوهان كريستيان دوبلر ، ودرس أيضًا علم النبات والفسيولوجيا النباتية وعلم الحشرات وعلم الحفريات .

كما حظيت باهتمامه نظريات العالم فرانز أونجر ، والتي تدعو إلى الدراسة التجريبية لطريقة ظهور الصفات على النبات على امتداد أجيال متعاقبة ؛ سعيًا  إلى حل مشكلة تهجين النباتات .

وبعد عودته إلى بورنو وضع مندل خطة لمجموعة من التجارب ، تهدف إلى تفسير قوانين أصل وتكوين النباتات المهجنة حيث أنه لم يستطع العلماء الذين سبقوه استخلاص أي قانون ؛ نظرًا لعملهم على مجموعة من النباتات التي تمتلك عددًا كبيرًا من الصفات المختلفة .

أما مندل فقد اختار أن يعمل على البقول التي تؤكل ، والتي تمتلك سبع صفات يمكن لكل منها أن تظهر على نحوين مختلفين يمكن التمييز بينهما بسهولة ، وهذه الصفات هي : شكل البذرة ، ولونها ، ولون الغلاف ، وشكل الفص ، ولونه ، ووضع الزهرة ، وطول الساق .

ثم قام بعقد تقابل بين نوعين من البذور الناعمة والبذور المجعدة ، واكتشف أن النباتات المهجنة في الجيل الأول يكون لها بذور ناعمة ، وفي عام 1865م قام بنشر بحثه الذي نشر به نتائج تجاربه .

الذي أثبت فيه قانونه الأول الذي ينص على أن الصفة الناعمة هي الصفة السادة ، أما التجعيد فهو الصفة المتنحية ، وتحصل المهجنات على عامل من كلا والديها ، وكانت نتائج أبحاثه هذه تناقض الحدس الرئيسي لداروين حول الانتقال الوراثي للمميزات المكتسبة ، وينفي بالقطع مفهوم الوراثة بالاختلاط الذي صاغه فرانسيس جالتون ابن عم داروين ، ولقد اتضح أن مندل محق بعد اكتشاف الجينات السائدة والمتنحية .

وفي الموسم الثاني قام بزراعة بذورًا مهجنة ناعمة ، وحصل على جيل آخر يمتلك بذورًا ناعمة وأخرى مجعدة بنسبة ثلاثة إلى واحد ، واستخلص من ظهور صفة التجعد في الجيل الثاني أنه كان كامنًا .

ولقد أتاحت له هذه التجربة الإعلان عن قانونه الثاني ، الذي ينص على أن الصفات تنتقل دائمًا للأجيال التالية بنفس النسبة ، واستنتج أيضًا من تجاربه أن الصفة حتى وإن بقيت مختفية ولكنها تظل موجودة ، وهو ما يساعد العلماء في عصرنا الحالي على دراسة خطر ، انتقال الأمراض الوراثية من الوالدين إلى الأبناء .

لم تكن الوراثة تقترب من الجوانب الإلهية أو الروحانية ، لكن نتائجها لم تكن لتتامشى بسهولة مع معارف ذلك العصر ؛ ولذلك ليجنب نفسه الانتقادات درس حوالي ثمانية وعشرين ألف نبات .

تعد قوانين ذلك العالم خطوة هامة للأمام إلا أنها لا تقدم تفسيرًا لكل شيء ، فهو مثلًا لم يتوقع الردة الوراثية أي ظهور صفة وراثية بعد اختفائها في أجيال متعددة ، ولم يعلن عن أفكاره إلا في عام 1866م ، أي بعد ستة عشر عامًا من التجارب .

وبقيت بحوثه المنشورة في مجلة مغمورة في طي النسيان لأكثر من ثلاثين عامًا ، ولم يؤكد العلماء صحة نظرياته إلا بعد ستة عشر عامًا من وفاته ، وها هو اليوم يعتبر هو المؤسس الأول لعلم الوراثة .

By Lars