كان يوجد صبي صغير يدعى أحمد له عيون خضراء وكان عمره 14 عامًا، كان أحمد لابساً بدلته الأنيقة ذات اللون الأزرق الداكن، فهو يرتدي الملابس هذه كونه سيجري مقابلة هامة اليوم، فيعد هذا يوم خاص جداً بالنسبة لأحمد، فقد تم اختيار أحمد من بين الكثير من الطلاب حتى يحمل علم وطنه لمدرسته، وقد كان أحمد شخص حاسم ومثقف، ويحظى بقوة الشخصية، ولكن هذا يرجع لقصة قاسية للغاية حدثت له خلال السنوات القليلة الماضية، فهذا الحادث بمثابة جرح غير مرئي لا يمكن لأحد أن يتوقع وجوده من خلال لقاء عابر مع أحمد.
قد ولد أحمد وكبر في الجزء الغربي من الموصل في العراق، كان يعيش حياة هادئة آمنة مع والديه وكان له ثلاثة أشقاء وأخت، كان ترتيبه الثاني بين الأبناء بعد أخته الكبيرة، كان والد أحمد ضرير وكان شيخاً بالمسجد المحلي، وكان أحمد يذهب باستمرار مع والده لتناول العشاء بالخارج، لم يقصر والده بسبب العمى عن أن يعلمه الكثير من الأشياء في الحياة بما في هذا كيف يصبح شيخاً فكان أحمد دائم التردد إلى المسجد بصحبة والده.
كان ينشغل والد أحمد بأن يعد ويصنع مستقبل جيد لابنائه، فكان يمتلك بعض الأراضي وقد كان والد أحمد يفكر في إنشاء منزل لأسرته بالجانب الشرقي من الموصل، ولكن سرعان ما تلاشت هذه الأحلام التي كان والد أحمد يحلم بها مجرد دخول مجموعة من للصوص إلى المدينة.
نقطة التحول في حياة البطل
في البداية قد جائت تلك المجموعة من اللصوص بعام 2014، لكن لم يستشعر أحمد وعائلته بأي تأثير، ولكن مع مرور الوقت ظهرت وحشية هؤلاء اللصوص، على عكس الكثير من العائلات الأخرى التي هريب من المدينة، فلم تتمكن عائلة من الهرب لأنهم كانوا فقراء جداً ولا يستطيعوا تحمل نفقات السفر والعيش في مكان أخر.
وبالرغم من الاهتمام العميق للتعليم، لم يترك والد أحمد أبنائه يذهبوا إلى المدرسة بسبب سيطرة هذه العصابة على الدراسة، وكانت تحفز الأطفال على العنف، فقد قال الوالد لأحمد ذات يوم، “لا أرغب في حرمانك من المدرسة لأن التعليم سلاح، لكني لا أرغب أن يحدث لك أمر سيء، ولا أريد أن تكونوا مثلي لأنني لم أتمكن مواصلة تعليمي بسبب العمى، أريدكم جميعًا أن تستكملوا تعليمكم “.
وقد كان أحمد مستمع جيد لما يقوله له والده، فكان يقدر جداً كلمات والد، وحين سأل أحمد والده عن إحساسه لعدم الذهاب إلى المدرسة، أجاب: “كانت هذه رغبة والدي ليس لدي حيلة”، اعتاد أحمد أن يبقى أغلب الأيام داخل منزله مع العائلة ولا يخرجوا ابداً خوفًا من التعرض للأذى من قبل العصابة، كما عمل أحمد بمصنع للدواجن لتوفير قوت أسرته.
وفي عام 2016 حدث أمر مروع لأسرة أحمد، ذات يوم، في ظل سيطرة العصابة الاجرامية هرب أحمد وعائلته من منزلهم، وقد كانوا جميعًا ممسكين بأيدي بعضهم البعض وهم يركضون، وإذ فجأة يمر والد أحمد وشقيقه فوق لغم، فيفقد الأب رجله وكان الابن مصاب بحروق بالغة، لكن والدة أحمد كانت بمكان أكثر أمانًا، وقد توفي والد أحمد صباح يوم الحادث وتركت جثته في الشوارع لمدة 23 يومًا لم يتمكنوا من دفنها، ومن ثم توفي شقيق أحمد متأثرا بالحروق، قال أحمد: “قبل أن يموت والدي، قال لي أن أختي وأمي أمانة لديك”.
الارادة والتصميم
يعيش أحمد اليوم على ذكرى والده وأخيه كونهما أقرب الناس إلى قلبه، كما صمم عن أي وقت مضى أن يقوم بعمل له معنى في الحياة للتغلب على المآسي وتحقيق حلم والده، فقد كان حلم والده بناء منزل لعائلته، وأن يستكمل الابناء التعليم، اما حلم أحمد هو إخراج أسرته من الجانب الغربي من الموصل لأنه هو المكان والحي الذي توفي فيه والده وأخيه، ففي كل مرة يخرج احد من افراد الاسرة من المنزل لا يمكنهم من المرور من شارع الحادث بسبب الذكريات المؤلمة.
كانت قصة أحمد عكس الطلاب الآخرين الذين قاموا معه بإمتحان تحديد المستوى، فبمجرد رجوع أحمد إلى المدرسة، لم يريد إجراء اختبار للحصول على درجة أعلى بعد سنوات من التوقف عن الدراسة، بل بدلاً من هذا، بدأ أحمد من الصف الاقل من سنه وكان يسعى وكله عزيمة وقوة فهو رفض السماح للفشل أن ينتصر عليه، وكان بتذكر كلمات والده، وكان يعلم أنه بحاجة إلى القيام بكل ما هو مستطاع لتحقيق النجاح.
وفي هذه الفترة كان هناك إحدى المؤسسات تدعم مدرسة أحمد من خلال دروس إضافية، فذهب أحمد لمسئول المؤسسة الذي يدعى فهد قبل مغادرته للمدرسة وقال أحمد للمسئول أن لديه طلب، خرج المسئول من سيارته فهو كان على وشك المغادرة ليستمع له، فقال أحمد فقدت والدي وأنا أكسب فقط 10 آلاف دينار عراقي أي حوالي 8 دولار أمريكي في الأسبوع لتسديد نفقات أسرتي، كان أحمد يبكي وكان مستعد أن يجلس على الأرض حتى يتمكن من الحصول على دروس إضافية لمساعدته ويتمكن من النجاح كما وعد والده، وبالفعل قام المسئول بتسجيل اسم أحمد وسمح له بأخذ الدروس، في ذلك الوقت، كان أحمد يعمل في وظائف كثيرة لكسب المال لعيش عائلته، وكان يأتي في بعض الأيام متأخرًا إلى الفصل، لكن فهد كان يطلب من المعلمين إعطائه دروسًا بعد انتهاء الحصص.
مع متابعة فهد الدائمة لأحمد وبجهد ضخم من جانبه، دخل أحمد إلى امتحان أخر العام واجتازه بنجاح، عندما سأل أحمد عن حصص الدروس الإضافية، فقال له أحمد: “لقد استفدت جداً من فصول اللحاق بالصفوف، وبفضل هذه الحصص ألتقيت بالاستاذ فهد، لقد ساندني ودعمني ولولاه لما مررت بالامتحان”، كان فهد عظيماً في عين أحمد، فقد اهتم فهد بأحمد بشكل مذهل، فقد كان فهد لأحمد بمثابة الأب والأخ وأي شيء يريده أحمد، فكان مستعد لعمل أي شيء من أجل أحمد ذو العزيمة والإرادة الصلبة، فقد دهش فهد من قوة عزيمة وإرادة أحمد لهذا دعمه بكل ما لديه.
قال فهد: “أحمد إنسان ناجح ومثابر ويحظى بإمكانيات رائعة، على الرغم من أنه صبي صغير، إلا أنه يحظى بعقل ناضج، عندما تتكلم معه، يجعلك تعتقد أنك تتكلم مع شخص يبلغ من العمر 50 عامًا، فقد تحمل أحمد مسؤولية نفسه وعائلته”، واليوم وعلى الرغم من الذكريات المحزنة لأحمد عن والده الذي علمه أن يكون شيخاً، لديه إلهام جديد يسعى بعزم لتحقيقه، فقد قال أحمد: “عندما أكبر ، أريد أن أصبح مدرسًا”، كما أصبحت حياة أحمد جيدة من الناحية المالية، ففي العطلة الصيفية يقوم بعمل آخر بدخل إضافي، وبالإضافة أنه بعد الساعة 12:00ظهراً يقوم بعمل يومي.
وقد ألهمت قصة أحمد الكثير من المؤسسات العالمية حتى تقوم بتمويل المدارس العراقية وتوفير فصولاً دراسية استدراكية، والتي نفذت بالفعل وشملت على 800 طالب و 400 فتى و 400 فتاة في عام 2019، لقد كانت عزيمة أحمد وإرادته القوية هي السبب اولاً في نجاحه الدراسي ونجاحه في توفير المال لأسرته، كما كان لأحمد دور قوي في لفت أنتباه المؤسسات المختلفة لمساعدة غيره من الاطفال الذين يتعرضون لظروف أكبر من أعمارهم ودعمهم حتى يصلوا إلى بر الامان.