الجريمة كلمة تهتز لها مشاعر الإنسان ، سواء أكانت بحق كبير أم صغير ، فكونها قد وقعت في حق شخص ما ، فهي بالتأكيد أمر بشع ، فالمجرم يزهق روحًا بريئة أو يتعدى عليها ، نتيجة مرض أصاب روحه وعقله ، وفي لحظات تدخل بها الشيطان ليزين للمجرم فعلته ، ولكنها تبقى كما هي ، جريمة شنعاء لا شعور فيها بالتعاطف .

وكم قرأنا عن أخبار الفنانين ، يذهبون هنا وهناك وفي بعض الأحيان ، تلاحقنا أخبارهم بشأن زواج وطلاق وغيرها ، ولكن أن تقع أعيننا على خبر لفنان ما ، يرتبط اسمه بوقوع جريمة ، فهو قليل ما يحدث مع اختلاف الأسباب ، والعربي الماطري أحد هؤلاء ، وهذه قصته .

طفولته :
عاش العربي الماطري طفولة بائسة ، فقد ولد بين سبعة أشقاء في مدينة تونس ، لأب وأم فقيرين للغاية ، وذلك عام 1965م ، ولم يتمكن من الالتحاق بالمدرسة والتعلم نظرًا لظروف عائلته تلك ، وكان العربي قد عرف عنه أنه عذب الصوت ، فبدأ يتجول مع إحدى الفرق الشعبية ، ويغني بها من أجل كسب المال .

الماطري والسجن :
أمضى الماطري حياته خلف قضبان السجن لمرات عدة ، ففي عمر الستة أعوام ألقي القبض عليه ، بتهمة السرقة وتم إيداعه بإحدى الإصلاحيات ، ثم خرج بعدها ليعود مرة أخرى إلى السجن ، بتهمة إتلاف أملاك الغير ، ليخرج ويعود ثالثة في اتهام بتعاطي مواد مخدرة ومواقعه قاصر ، ليمضي على إثرها بالسجن لعام وأربعة أشهر ، ليعود بعدها بحوالي أربعة أعوام إلى السجن مرة أخرى ، في محاولة اعتداء جنسية على طفل ، لينال حكمًا بالسجن ، لستة أعوام ويخرج بعدها الماطري وهو في الثانية والثلاثين من عمره ، ليس لديه أية أموال أو مصدر للرزق .

اتجه العربي مرة أخرى إلى الغناء من أجل كسب المال ، وفي تلك الفترة بدأ التجوال برفقة فرقة فنية شعبية جديدة ، كانت تعمل على إحياء الأعراس ، حيث تأثر بصوته كل من سمعه ، ليشتهر العربي باسم العربي الماطري ، وتصير شعبيته أوسع في الوسط الفني ، وذلك بحلول الألفية الثالثة .

الجريمة :
عقب إحدى الحفلات التي كان يقيمها الماطري برعاية فرقته الجديدة ، قام بالتوجه مع أحد رفاقه إلى وسط لمدينة لتناول العشاء ، وظل جالسًا برفقة صديقه حتى وقت متأخر من الليل ، ثم انطلقا سويًا ليبيت الماطري لديه في شقته ، عقب تناولهما الكثير من الخمور ، فرقد الماطري نائمًا كالثور ، لا يلوي على شيء .

في الصباح الباكر استيقظ الماطري ، ليتأمل المكان حوله ويطلب المزيد من الخمور حتى يستطيع أن يخرج من المنزل ، فجلب له رفيقه ما أراد ، وأثناء تناوله الخمر لمح الماطري منزل أحد الأشخاص ، كان قد اقترض منه مبلغًا ماليًا في وقت سابق ، ولكن رفيقه نصحه بعدم الذهاب إلى هناك ، فقد كان مخمورًا بشدة ، ولكن الماطري رفض النصيحة ، واتجه فورًا نحو منزل صديقه القديم .

ذهب الماطري إلى منزل محسن الذي كان قد اقترض منه المال ، ولمح طفلاً صغيرًا يدعى كريم ، عمره خمسة أعوام يلعب أمام المنزل إما بالكرة تارة ، أو ببعض الأشياء على الأرض تارة أخرى .

دخل الماطري إلى منزل محسن ، وطلب أمواله ولكن محسن رفض بحجة أنه لا يملك هذا المال في الوقت الحالي ، فتشاجر معه الماطري وعلت الأصوات وتدخل بعض الجيران لحل المشكلة ، فقد كان الماطري قد استل سكينًا كانت بحوزته وهدد بها محسن ، ولكن بعد تدخل الجيران خرج الماطري ، ليصح الوحش الرابض بداخله ، عندما لمح كريم مرة أخرى أمام المنزل .

بدأ الماطري في التعامل بهدوء شديد مع الطفل ، وأقنعه بأن يذهب معه لشراء بعض الحلوى والأشياء الجميلة ، وبالطبع ذهب الطفل برفقته ، لم تمض دقائق حتى وصل الماطري بالطفل إلى المقابر ، وهناك اعتدى عليه جنسيًا والطفل لا يدري شيئًا مما يحدث ولا يستطيع المقاومة ، فقد تحول الماطري في تلك اللحظات من إنسان ودود ، إلى وحش كاسر تعدى على الطفل وقتله بلا رحمة في مشهد غاية في البشاعة .

المحاكمة :
بالطبع لاحظ أفراد عائلة كريم اختفاءه ، وطفقوا يبحثون عنه في كل مكان ، ومع بحثهم أفادت إحدى جاراتهم بأنها رأته يسير برفقة رجل ما بين الثلاثين والأربعين عامًا من عمره ، ومع وصفها لملابسه نزل الخبر على العائلة كالصاعقة ، إنه العربي الماطري .

قام والد الطفل بالتوجه نحو الشرطة وأبلغ عن اتهامه للعربي ، ومع مراجعة سجلات العربي لديهم وخاصة آخر جريمة ، اتهم فيها بالاعتداء على طفل ستة أعوام جنسيًا ، تم صدور أمرًا بالقبض عليه .

ومع حلول الفجر ، اقتيد العربي الماطري من داخل منزله ، عقب إلقاء القبض عليه ومراوغته في البداية ، ثم اعترافه بجريمته بحق الطفل كريم ، وظلت المحاكمات تدور لمدة عام كامل ، حتى حُكم على الماطري بالإعدام شنقًا حتى الموت .

ولكن حكم الإعدام لم ينفذ حتى يومنا هذا ، عقب أن ألغت تونس عقوبة الإعدام بعد قضية السفاح الناصر الدامرجي ، ومازال الماطري يقبع حتى يومنا هذا خلف قضبان السجن .

By Lars