في إحدى المدن التونسية ، كان مألوفاً منظر بائعه الحليب الوافدون من القرى على الدراجة الهوائية ، وقد قام هؤلاء الفلاحون بتكوين علاقات قوية مع سكان المدينة ، وكان هؤلاء الباعة يوزعون الحليب في الصباح الباكر على سكان المدينة .
كان من بين هؤلاء الباعة عم حسين ، وكان رجلاً قد جاوز الخمسين من عمره ، ولكنه كان يتمتع بلياقة بدنية ، حيث كان يقطع مسافة خمسة عشر كيلو ، من القرية إلى المدينة ذهاباً وإياباً .
العم حسين شخصية محبوبة :
كان العم حسين رجلاً محبوباً ، وكان عندما يحاول أحد من الشباب أن يجادله أو ينافسه في الحديث ، كان يذكره أن عليه ألا ينسى أن العم حسين ، هو من أعطاه الحليب منذ ولادته حتى أشتد عوده ، فكان الجميع ينخرط في الضحك .
موقف غريب يدهش العم حسين :
في يوم من الأيام كان العم حسين يركن درجاته الهوائية ، في إحدي حارات المدينة ويحمل آنية الحليب ، ثم يطوف على المنازل التي تشتري منه الحليب ، بانتظام حيث كانت لتلك الأسر الأولوية .
وعندما انزل العم حسين آنية الحليب ، من على دراجته الهوائية ، ربط درجاته بسلسة من حديد بعمود خشبي ، وشاهد رجلاً يخرج من منزل قريب ، في البدء حسبه صاحب المنزل السيد أحمد الدراق الذي يعرفه منذ سنوات .
أندهش العم حسين من انصراف الرجل ، دون أن يلقي التحية عليه ، ولكن تجاهل الأمر وظن أن لدى الرجل أسباب ، جعلته يتناسى إلقاء التحية عليه ، حمل العم حسين آنية الحليب ، وانطلق في جولته التي اعتاد عليها ، وظل ينتقل من منزل إلى منزل ، حتى وصل إلى منزل أحمد الدراق ، والذي كانت أخر منزل في جولته تلك .
طرق العم حسين منزل أحمد الدراق ، وكان الدراق رجلاً يعيش مع زوجته ثريا ، والتي كانت سيدة أنيقة لكن لم يرزقا بأطفال بعد ، وكان العم حسين معتاداً أن تمد له السيدة ثريا آنيتها من النافذة ، ليملأ لها نصف لتر من الحليب كل يوم.
يومها لم يفتح أحد الباب وظل العم حسين واقفاً يطرق باب المنزل عدة مرات ، ظن العم حسين أن السيدة ثريا غير موجودة بالمنزل ، نزل العم حسين ورحل ثم أتى صباح اليوم التالي ، ولكنه ظل أيضاً يقرع الباب ولن يفتح أحداً .
مقتل السيدة ثريا :
نزل العم حسين ليسأل عن الدراق والسيدة ثريا ، فعرف أنه مصاباً بالمشفى منذ أمس ، بعد أن قتلت زوجته السيدة ثريا ، اندهش العم حسين وسأل : متى حدث هذا ؟ ، فرد الجيران : قتلت السيدة ثريا بالأمس ، حيث اقتحم عليهما أحداً المنزل وقتل السيدة ثريا ، وأصاب السيد الدراق بجروح خطيرة.
العم حسين يتذكر الرجل ذو المعطف :
تذكر العم حسين ذلك الرجل الذي رآه بالأمس ، وظن أنه السيد احمد الدراق ولم يلقي عليه التحية ، وأخبر أحد الجيران بشأن ذلك الرجل الذي رآه العم حسين ، نازلاً صباح أمس من منزل السيد احمد ، لم يتذكر العم حسين منظر وجه ذلك الرجل ، لكن لازال يتذكر هيئته العامة .
شهادة العم حسين :
في اليوم التالي أتى مفتش الشرطة إلى منزل العم حسين ، وطلب من العم حسين مرافقته إلى مركز الشرطة ، لأنه يعلم علاقة العم حسين القوية ، بالسيد أحمد الدراق وزوجتة السيدة ثريا .
قال العم حسينن لمفتش الشرطة أنه منذ يومان ، وبينما كان يستعد للقيام بجولته ، وبينما هو يركن دراجته بالقرب من منزل السيد أحمد ، رأى رجلاً يغادر المنزل ، كان الرجل يرتدى معطفاً رمادياً ، ويمتد على رأسه الصلع ، وكان به عرج طفيف وأن لذلك الرجل قامة ، تشبه إلى حد كبير قامة السيد أحمد الدراق ، فطلب المفتش من العم حسين ، أن يكون مستعداً للحضور إلى مكتب الشرطة ، كلما طلب منه ذلك .
وفاة السيد أحمد الدراق :
أخبرت المشفى رجال الشرطة ، عن بدء تحسن حاله السيد احمد ، وحضرت الشرطة إلى المشفى ، بعد أن فاق السيد احمد الدراق من غيبوبته ، وكان على لسانه كلمتين : ثريا ، خوانيتو ولم يعلم الظابط ما يعنيه كلمه خوانيتو ، انتظرت الشرطة حتى تمام تعافي السيد أحمد الدراق ، ليخبره بقصة خوانيتو لكن جاء الخبر الصادم ، بوفاة السيد أحمد الدراق بالمشفى .
التحقيق حول خوانيتو :
سعى الضابط بنفسه لمعرفة من هو خوانيتو ، فبدأ الباحثون بالنبش في المحيط المهني حول الدراق ، وتم التوصل إلى اسم خوانيتو وهو صديق أسباني ، يعمل على أحد الباخرات في المدينة ، وعند التوجه لمكان عمل خوانيتو ، عرفت الشرطة أن خوانيتو قد تغيب عن العمل منذ ثلاثة ايام دون سبب ، وكان صديقاً للسيد محمد الدراق ، الذي كان يعمل في احدى الوكلات السياحية .
القبض على خوانيتو :
بعد 10 أيام عاد خوانيتو إلى العمل ، وكان قد يراقبه أحد رجال الشرطة في محيط عمله ، وعندما جاء خوانيتو إلى العمل ، كان يرتدي معطفاً رمادياً ، مثل الذي رآه السيد حسين بائع الحليب يوم الحادثة .
تم القبض على خوانيتو وحاول أنه ينكر ، بل تظاهر تصادمه بخبر وفاة السيد خوانيتو والسيدة ثريا ، تم استدعاء العم حسين وطلب منه أن ينظر إلى خوانيتو ، فتأكد العم حسين بأن ذلك الشخص ، هو الذي رآه في يوم الواقعة ، وأكدت الأدلة الشرعية على وجود شعيرات ، على معطف خوانيتو كانت للسيد أحمد الدراق .
اعتراف خوانيتو :
أقر خوانتيو بجريمته والسبب ، أنه كان على علاقة غرامية بثريا ، وأنها قبل بضعة أشهر قررت ثريا وضع حد لتلك العلاقة ، وأن تكون زوجه للدراق فقط ، لكن لم يتقبل خوانيتو الأمر وقرر قتل ثريا وزوجها .