اشتهر باسم ابن البيطار ، وهو العالم ضياء الدين أبو محمد عبدالله بن أحمد المالقي ، وتم تلقيبه بالنباتي والعشّاب نسبة إلى إسهاماته في مجال علوم النبات ، ولد العالم ابن البيطار عام 1197م ، ويعد من أعظم العلماء المسلمين الذين ظهروا في هذا الوقت ، من كافة علماء النبات والعقاقير والعلاج بالأعشاب ، فكان يعمل على تركيب بعض العقاقير المستخلصة من النباتات ، فعُرف عنه أنه صيدليًا بارعًا في تركيب الأدوية والعلاج الكيميائي .
وُلد ابن البيطار في مدينة مالقة بالأندلس ، وانتقل إلى أشبيليه ينهل من العلم بها ، على أيدي كبار العلماء مثل عبدالله بن صالح الكتامي ، وأبي العباس ابن الروميّة ، عالم النبات الشهير آنذاك ، وبعد أن صار ابن البيطار شابًا يافعًا انتقل إلى تونس والجزائر ومراكش ، باعتباره باحثًا في علوم النبات ، ليرحل بعدها صوب آسيا الصغرى ، مرورًا ببلاد الشام وغزة والحجاز والقدس وبيروت كذلك ، ثم انتقل إلى مصر ومنها إلى اليونان وأقصى بلاد الروم ، حتى استقر أخيرًا في دمشق ، التي شهدت على يديه الكثير من الأبحاث المتعلقة بالنباتات .
نشأته وحياته :
ضياء الدين الملقّب بالمالقي نسبة إلى مالقة بالأندلس أو إسباينا الآن ، كان أحد أهم علماء عصره في علم النبات ، وينتسب هذا العالم الفذ إلى أسرة البيطار ؛ والتي عملت لسنوات طويلة في مجال البيطرة ، خاصة والد عالمنا ابن البيطار ، الذي كان بيطريًا فذًا أيضًا في مجاله .
درس ابن البيطار علوم النبات على أيدي كبار العلماء في هذا التخصص في إشبيلية ، وأتيحت له الفرصة للاطلاع على كل ما تم ترجمته من علوم الأوائل ، من غير العرب خاصة اليونانيين منهم ، وما سهل عليه تلك المهمة معرفته الدقيقة بلغات عدة ، غير اللغة العربية مثل اليونانية والفارسية ، فدرس كتب الطبيب ديسقوريدس وجالينوس .
إلى جانب كلاً من أبي العباس النباتي وأبقراط وابن سينا والإدريسي ، وذلك في دراسة مستفيضة تكللت بإتقانه لتلك اللغات ، وكان من شدة دقتّه وتفهمه وعلمه ، يذكر ما قرأه أولاً باللغة اليونانية ، ثم يقوم بطرح ما قام هو بتفسيره بعد ذلك .
رحلاته العلمية وإسهاماته :
عرف عن ابن البيطار أنه كان كثير الترحال والتنقل ، خاصة رحلاته إلى بلاد الروم واليونان ، تلاها انتقاله إلى بلاد العالم الإسلامي ، حيث التقى بعلمائها وتبادل معهم الخبرات وفوائد النباتات ، وأنواعها المختلفة وكيفية استخلاص العقاقير منها ، وكان ابن البيطار يقوم بدراسة التربة خلال ترحاله ، من مكان لآخر لمعرفة البيئة التي ينمو فيها النبات .
الأمر الذي ساعده على جمع خبرة طويلة ومتميزة ، تستند على الملاحظة الدقيقة والمتعمقة ، وهذا ما منح القيمة الكبيرة لكتابيه الأكثر شهرة ، وهما الجامع لمفردات الأدوية والأغذية ، والمغني في الأدوية المفردة .
غادر ابن البيطار بلاد الأندلس ، عقب أن بلغ العشرين من عمره بلا رجعة ، قضى بعدها رحلة طويلة من الترحال بهدف العلم ، واستقاء المعرفة فذهب إلى دول المغرب ال عربي ، مراكش والحزائر وتونس ، ومر بمصر قبل أن يتجه صوب آسيا الصغرى ، ويزور اليونان وبلاد الروم والقدس وغزة .
وكان يقيم في كل بلدة منها لفترة من الوقت ، ويجلب منها بعض النباتات النادرة ، التي يراها أو ذات الخواص المميزة ، مما ساعده على اكتساب خبرات مميزة في علم النبات ، فصار أكثر علماء عصره فهمًا لأنواع النبات ، وكيفية زراعته والبيئة الصحية لنموه ، وعلم أسماء النباتات ونعتها على اختلافاتها .
أهم مؤلفات ابن البيطار :
كتب ابن البيطار عددًا من المؤلفات الثمينة ، منها الجامع لمفردات الأدوية والأغذية ، هذا الكتاب الذي حوى وصفًا لأكثر من 1400 عقارًا نباتيًا وحيوانيًا ، منها ثلاثمائة من صنعه بنفسه ، شارحًا في كتابه خواص النبات وفوائده الطبية وكيفية استخدامه في العلاج ، كما ساهم ابن البيطار أيضًا في استقرار المصطلح الطبي العربي ، وأصبح معجمه الخاص مصدرًا غاية في الثراء ، لكافة أطباء العرب وأوروبا أيضًا .
وفاته :
توفى ابن البيطار في عام 1248م / 646 هـ ، في دمشق التي استقر بها في نهاية جولاته المتعددة ، وكان يبلغ من العمر وقتها واحد وخمسين عامًا ، حيث وافته المنية أثناء قيامه بعددٍ من تجاربه المعملية ، على أحد النباتات حيث تسرب إليه بعض الغازات السامة ، أثناء محاولته استخلاص عقار فعّال منها .