كثيرًا ما أدهشنا علماء المسلمين ، بعطائهم غير المحدود ، للعلم والدين والمعرفة ، وكل منهم له قصة ، تثري خيال كل من يتطلع ، إلى خدمة البشرية والدين ، ومحب للعلم ونشره ، وتلك هي قصة علاّمة العراق ، الأديب المحدث محمود شكري الألوسي .
مولده :
ولد العلاّمة محمود شكري الألوسي ، في التاسع عشر من رمضان عام 1272هـ ، وقد وًلد بالعراق في بلدة الألوس ، التي اشتق منها اسم شهرته ، وهي جزيرة صغيرة ، تقع على ضفاف نهر الفرات بالأنبار ، وكان قد فرّ إليها جد العلامة الألوسي ، من هجوم هولاكو التتري ، إبان مهاجمته لبغداد فنُسبت إليه تلك الجزيرة ، ويعود نسب العائلة بالأساس ، إلى سبط النبي محمد ، صل الله عليه وسلم ، فهم علويو النسب .
نشأته وتعليمه :
قضى الألوسي حياته بين الدراسة والتأليف ، ليساهم في تأسيس أول صحيفة في بغداد ، تحت اسم الزوراء ، لتمتد إسهاماته بعد ذلك ، من خلال مقالاته العلمية المتميزة ، في مجلات المقتبس ، والمنار ومجلة المجمع العلمي العربي ، ومجلة المشرق .
وكانت عائلته تشتهر بحبها للأدب ، وتذوقه إلى جانب تصوفهم جميعًا ، إلا أن محمود شكري ، أو العلامة الألوسي كان قد تميز عنهم ، بأنه ربط بين التصوف والعقلانية ، بطريقة جعلته أشبه بدعاة السلفية القدامى .
مناصبه :
تقلد الألوسي عددًا من المناصب ، منها توليه إدارة دار الإفتاء ببلده ، عام 1248هـ بناء على فرمان عثماني ، ليتم عزله بعدها بفترة ، انقطع خلالها للعلم فقط .
كان العلامة الألوسي قد عمل بالتدريس ، في مدرسة الحاج أمين جلبي في رأس القرية ، تلتها فترة عمله في المدرسة العمرية ، إلى جوار الكرخ ثم في مدرسة نعمان الباجة ، الواقعة في محلة عمّار سبع أبكار .
ليتولى حينها الصدارة في التدريس ، بكل من المدرسة المرجانية والمدرسة القادرية ، ليتوافد عليه الفقهاء والعلماء وطلاب العلم ، من أقطار مختلفة حيث مجلسه العلمي ، في محلة العاقولية والتي كان من أشهر روادها ، الشاعر عبد الغفار الأخرس ، والخطاط أحمد أفندي القايمقجي ، والشيخ عبد الباقي العمري .
وكان الشيخ محمود الألوسي ، أحد أشهر من تركوا بصمتهم في الحركة العلمية ببغداد ، حيث سافر إلى كل من الموصل وإسطنبول ، مرورًا بكل من بماردين وسيواس ، ثم عاد إلى بغداد مدونًا لرحلاته العلمية تلك ، ويستكمل مسيرته في التدريس .
وقد واجه الألوسي ، الكثير من الهجوم عليه ، نظرًا لاستخدامه التصوف العقلاني ، ونشره الكثير من كتب بن تيمية ، الأمر الذي أغضب منه الكثير من المنتمين ، للقوى الصوفية داخل اسطنبول .
وكان الألوسي قد نأى بنفسه ، عن تلك المعتقدات واصفًا إياها بالبدع ، وأنها نتيجة أهواء شخصية بحتة ، فيها الكثير من النفور الذي يجعل القلب يفر منها ، حتى أنه كان منذ الصغر يكره بشدة ، من يغالي في الثناء على أهل القبور ، ويعد لهم النذور .
وكان هذا الأمر ، سببًا في نفيه إلى ديار بكر ، إلا أنه أثناء تنفيذه لحكم النفي ، كان قد مر بالموصل ، فاستوقفه أهلها واستقبلوه ، وابقوه برفقتهم دون أن يغادر نحو منفاه .
ومع احتلال البريطانيون للعراق ، في عام 1917م كان البريطانيون يحاولون تقريب الألوسي إليهم ، نظرًا لمكانته العلمية ومكانة أسرته ، لدى الجموع من حولهم ، ليعرضوا عليه منصب الإفتاء إلا أنه قد رفض هذا المنصب .
وفاته:
توفي الألوسي في بغداد في عام 1342هـ/ 1923م ، وتم دفنه في مقبرة الشيخ معروف الكرخي .
أهم مؤلفات العلاّمة الألوسي :
كان للألوسي الفضل ، في خروج الكثير من مؤلفات بن تيمية ، إلى الجمهور القارئ ، وكذلك بن القيم وذلك بالنشر والطبع ، وكانت من أهم مؤلفات الألوسي نفسه ، كتاب غاية الأماني في الرد على النبهاني ، وكتاب ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة .
وبهذا يعد محمود الألوسي ، أحد داعمي مدرسة التجديد السلفي ، حيث كان على صلة وثيقة بالسيد جمال الدين الأفغاني .