تتعدد الطرق المؤدية إلى النجاح ، ويظل الإصرار على الوصول إلى القمة هو العامل الرئيسي لتحقيق أسمى طرق التفوق ، وهاهو الشيخ والعالم والباحث حمد الجاسر رحمه الله والذي أثبت تفوقه العلمي في أكثر من مجال ، لقد كان منارة فكرية لازال انعكاس ضوئها ينير الدروب.
مولده ونشأته :
إنه حمد بن محمد بن جاسر ، وُلد خلال عام 1910م /1328 هجريًا في قرية البرود بمنطقة نجد ، كان ينتمي إلى أسرة فقيرة وكان والده يعمل فلاحًا وله من الإخوة ثلاثة ، كان عليلًا منذ صغره وضعيف البنية ولم يتمكن من مساعدة والده ؛ الذي أدخله كُتاب القرية فحفظ القرآن الكريم وتعلم القراءة.
أرسله والده إلى أحد أقاربه من طلبة العلم بمدينة الرياض وهو ابن الثانية عشر من عمره ، وهناك تعلم القليل من مبادئ العلوم الدينية ؛ ثم عاد بعد عامين بعد أن توفي الرجل الذي كان يستضيفه ، وبعد ذلك توفي والده فعاش في كنف جده الذي كان يعمل إمامًا لمسجد القرية ، وأصبح مساعدًا لجده في الإمامة ، كما اشتغل كمعلمًا لأولاد القرية.
تمت إنابته ليعمل كمرشدًا وهو في سن الثامنة عشر لفخذ تابع لقبيلة عتيبة ، فأصبح يقيم بهم الصلاة في شهر رمضان ، كما كان يعلمهم أمور دينهم ، وكان ينتقل معهم من مكان إلى آخر حيث كانوا يعيشون في البادية ، ثم ذهب إلى الرياض مرةً أخرى لطلب العلم وهناك تلقى بعض العلوم على يد مشايخها ، ثم انتقل إلى مكة المكرمة ، والتحق وهو في سن العشرين بأول مدرسة نظامية يتم تأسيسها بالمملكة وكانت تُسمى المعهد العلمي.
حياته العلمية والعملية :
بعد انتهائه من مرحلة الدراسة بالمعهد العلمي الذي تخرج منه متخصصًا في علوم القضاء الشرعي ؛ اتجه إلى العمل كمدرسًا في ينبع لمدة أربع سنوات ، وقد وصل إلى رتبة مدير المدرسة ، ثم انتقل ليعمل قاضيًا بضبا ، وكان لازال يرغب في تلقي المزيد من العلم ؛ حتى واتته الفرصة للسفر إلى القاهرة.
حينما سافر إلى القاهرة ؛ التحق بكلية الآداب بجامعة القاهرة ؛ غير أن الظروف لم تساعده على إتمام الدراسة في هذه الكلية ؛ حيث اندلعت الحرب العالمية الثانية وتمت إعادة البعثة من القاهرة إلى المملكة ، فعاد ليعمل في مجال التدريس ، وشغل عدة مناصب تربوية بالمملكة ، حيث عمل كرئيس لمراقبة التعليم في الظهران ، وفيما بعد شغل منصب مدير التعليم في نجد ، كما كان هو المدير الأول لكليتي اللغة العربية والشريعة بالرياض.
قام بإنشاء مكتبة من أجل بيع الكتب سُميت مكتبة العرب ، وذلك خلال فترة إدارته للتعليم بنجد ، وكانت المكتبة هي الأولى التي تهتم بعرض المطبوعات والمؤلفات الحديثة ، وكان الجاسر عضوًا فاعلًا بمجمع اللغة العربية بالقاهرة ، كما كان عضوًا بالمجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية بعمان ، وكان أيضًا عضوًا مراسلًا لمجمع اللغة العربية الموجود بدمشق وعمان ، وأيضًا المجمع العراقي الموجود في بغداد ، وكذلك المجمع العلمي بالهند.
مؤلفاته :
كتب الجاسر العديد من المؤلفات بمجالات مختلفة ؛ حيث كتب في الرحلات مثل “رحلات حمد الجاسر للبحث عن التراث” ، وله مؤلفات في الأنساب مثل “جمهرة أنساب الأسر المتحضرة في نجد” ، كما كتب في تاريخ البلدان والخيل وتحديد المواضع والتراجم وغيرهم من المؤلفات المهمة.
تكريمه :
حصل على جائزة الدولة التقديرية في مجال الأدب خلال عام 1404 هجريًا ، ومنحه مجلس التعاون الخليجي وسام التكريم عام 1410 هجريًا ، كما حصل على وسام الملك عبد العزيز عام 1415 هجريًا ، وحصل على الدكتوراه الفخرية من جامعة الملك سعود عام 1416 هجريًا ، وحاز على جائزة الملك فيصل العالمية في الأدب العربي خلال عام 1416 هجريًا ، وفي نفس العام أيضًا حاز على جائزة السلطان عويس في الأدب بالإمارات العربية المتحدة ، كما حصل على جائزة الكويت للتقدم العلمي.
وفاته :
توفي الشيخ حمد الجاسر خلال شهر رجب من عام 1421 هجريًا الموافق عام 2000م ؛ عن عمر ناهز الثلاثة وتسعين عامًا.