ولد المستشرق النمساوي ليوبولد فايس Leopold Weiss في عام 1900م ، بمدينة ليفو البولندية ، وكان جده هو الحاخام الأكبر بالنمسا في هذا الوقت ، حيث توارثت عائلته هذا المنصب لأجيال عدة ، إلى أن بلغ فايس الثالثة عشرة من عمره .
فبدأ يقرأ في العبرية ويتعلمها حتى برع فيها ، ثم تعلم اللغة الآرامية والعربية ، ودرس العهد القديم ونصوص التلمود وتفاصيله ، وأحاط بالكتاب المقدس المعروف باسم تارجوم ، حيث كانت أسرته تعده ليلحق بمن سبقوه من العائلة ويصير حاخامًا بالنمسا هو الآخر .
وكان فايس قد ترك دراسته بالجامعة بفيينا في فترة العشرينات من القرن المنصرم ، ثم بدأ عمله صحفيًا في عام 1922م بصحيفة اليونايتد تلجراف بالتعاون مع اليونايتدبرس ، وحينها استطاع أن يحصل على مقابلة شخصية مع زوجة الكاتب مكسيم جروكي ، هذا الكاتب الروسي الذي ساعده في نشر أولى مقالاته في الصحافة والتي لاقت نجاحًا كبيرًا حينذاك .
وعلى الرغم من حداثة سنّه ، إلا أنه غادر بلدته واتجه نحو المشرق عام 1922م ، في عدد من الرحلات المتفرقة إلى أفريقيا وآسيا ، متفقدًا لعاداتها وحياتها ، وأخذ يراسل كبرى الصحف الأوروبية لينشر بها ، ثقافة تلك البلاد المجهولة بالنسبة لهم معرفيًا ، حتى صار واحدًا من أكبر كتّاب أوروبا عن الشرق وبلاد المشرق الآسيوية والأفريقية ، وصار أكثر تعطشًا للاستزادة من المعرفة بشؤونهم .
قصة إسلام ليوبولد فايس :
كان أشد ما أثار دهشة ليوبولد هو تراجع فكر المسلمين وحضارتهم ، على الرغم من أنه لم يجد في الإسلام ما يحبط الهمم أو يؤجلها ، ولكن ما صار إليه حال المسلمين كان غريبًا بالنسبة له ، فالإسلام يدع إلى الكفاح والتأمل والعمل بشكل متواصل ، وأهم مبادئه عدم التواكل على الغير والسعي الدائم نحو التقدم .
ولكن سرعان ما توصل فايس إلى أسباب هذا التراجع ، من جانب المسلمين فقد أدرك الأخير ، بأن المسلمين لم يدركوا حقيقة دينهم وتعاليمه بشكلٍ صحيح ، مما جعلهم جاهلون بكافة توصياته وعجزوا عن التمسك بها ، مما أدى إلى تراجعهم بالعكس مما يروّجه أعداء الإسلام ، بأن تمسك المسلمين بتعاليم دينهم هو سبب تراجعهم .
وقال فايس بأنه كان كلما تبحّر في تعاليم الدين الإسلامي ، زاد تساؤله بشأن ترك المسلمين لها ، وما دفعهم لهجر تطبيق تلك التعاليم على المستويين الذاتي والعلمي ، وتجادل في هذا الشأن كثيرًا مع كبار علماء المسلمين بالشرق ، ما بين طرابلس بالغرب وحتى الهند في الشرق .
وأصبح هذا التساؤل هو شغله الشاغل ، والذي طغى بشدة على عمله ، ليصبح الاهتمام بالدين الإسلامي هو أكبر اهتماماته ، وأصبح على حد قوله مشفقًا على الإسلام بشدة من المسلمين أنفسهم ، نتيجة لهذا التراخي الذي بدر منهم .
وفي هذا الشأن دار حوار بين ليوبولد وأحد الشبان في أفغانستان ، مما دفع الشاب أن يقول له بأنه مادام يغار على الإسلام بهذا الشكل ، وملمًا بتعاليمه وأصوله وتوصّل إلى أن الإسلام هو الدين القادر على إسعاد البشرية بأكملها ، فهو إذًا مسلم دون أن يدري .
تلك الكلمات ظلت تتردد في ذهن فايس ، ولم ينساها طوال حياته ، وأثرت فيه بشدة وفكر فيها بأنه بالفعل قد آمن بالدين الإسلامي في قلبه حقًا ، ولابد له أن يعلن هذا .
فور عودته إلى أوروبا في عام 1938م حتى أشهر ليوبولد فايس إسلامه وصار معروفًا باسم محمد أسد ، وقام بتأليف كتابه الإسلام في مفترق الطرق ، الذي روى فيه قصته وقال أن أكثر ما جذبه للإسلام هو تعاليمه وبنائه المتراص بحكمه عالية ، فهو بناء أخلاقي تام الصنعة ، وتتكامل أجزائه بشكل عبقري ، ليس به نقص ما ولعل هذا هو ما أثر فيه بشدة .
إسهامات ليوبولد فايس :
مع تبحر فايس في علوم الدين الإسلامي ، تم اختياره ليترأس إدارة تجديد الدين في دولة باكستان ، حيث صار مندوبًا لباكستان بالأمم المتحدة فيما بعد .
وقدم فايس تجاربه من خلال كتاباته ومؤلفاته ، التي سرد فيها حقائق كثر بشأن الديانات والثقافات الشعبية المتعددة والمختلفة ، وممارسات الغرب العلماني التي لم يصرح بها أحدًا قبله من قبل .
ولم يكن هدف فايس من مؤلفاته سوى أن يستنهض همم المسلمين ، ليستفيقوا من رقدتهم ، ويستعيدوا أمجاد أجدادهم وحضارتها الضائعة والتي غابت بشكل مفاجئ نتيجة ابتعاد المسلمين عن تعاليم دينهم الحنيف .
وفاته:
انتقل فايس في السنوات الأخيرة قبل وفاته إلى إسبانيا ، وأقام بها برفقة زوجته الثالثة بولا حميدة أسد ، وهي سيدة أمريكية من أصول بولندية ، وكانت تعتنق الإسلام .
وتوفى محمد أسد في يوم 20 فبراير من عام 1992م ، عن عمر ناهز التسعون عامًا وتم دفنه بمقابر مدينة غرناطة .