إنه عالم كبير أصيل في مجاله ، وشيخ وقور وجليل ، ذو مهابة وهب حياته للعلم والتعليم ، كما أنه مسيرته العلمية تزخر بالإنجازات العظيمة ، وبخاصة العلوم الفقهية منها ، فمنذ طفولته المبكرة ، كان الشيخ رحمه الله حاد الذكاء سريع التعلم ، والحفظ فنبغ في سن باكرة ، ولفت انتباه المدرسين بمدرسة الصولتية بجدة ، فعين مدرسًا بالمدرسة وهو طالب.

نشأة الشيخ أحمد القاري :
ولد الشيخ رحمه الله بمكة المكرمة ، في أسرة عريقة ومحبة للعلم ، في عام 1309هـ ، فكان والده وعمه من العلماء المشهود لهم بالفضل ، وحفظ القرآن الكريم وجوده على يدي والده شيخ القراء .

دراسته في المدرسة الصولتية وتعيينه بها مدرسًا تكريمًا له :
التحق الشيخ بالمدرسة بمكة المكرمة ، وتلقى العلم بها ، وكان متميزًا بين صحبه وأترابه ، بالإضافة إلى حرصه على حضور الدروس بالمسجد الحرام ، وتلقيها ، فقد عرف بمواظبته على الانقطاع للعلم ، كما كان لنبوغه المبكر تأثيره في نفوس أساتذته ، حتى إنّه انضم إلى سلك المدرسين بالمدرسة وهو طالب بها ، وكان هذا التقليد من الوسائل التشجيعية التي تتبعها المدرسة الصولتية مع تلاميذها النابهين .

المناصب التي تولاها الشيخ :
كان الشيخ قد تولى الكثير من المناصب التعليمة ، حيث درس في الحرم المكي وفي مدرسته التي تعلم فيها ، بالإضافة إلى إلقاء الدروس العلمية في المساجد في جدة عندما عين مدرسًا في مدرسة الفلاح ، وكان من المناصب التي تولاها الشيخ هي تعينه معاونًا لأمين الفتوى بمكة المكرمة عام 1336هـ ، وفي عام 1339هـ ، تم تعيينه عضوًا بهيئة التدقيقات الشرعية ، ثم تولى القضاء في مدينة جدة عام 1345هـ ، وفي سنة 1357هـ عين عضوًا في رئاسة القضاء حتى وفاته.

تمكنه من العلم :
أشاد المؤرخون بذكاء الشيخ ، وتمكنه من العلم ومهابته ، حيث لا يجرأ الطلبة على إزعاجه ، كما كان الشيخ رحمة الله عليه ذا شخصية محببة تجمع بين الوقار واللطف ، كان رحمه الله يرتدي الجبة ، والعمامة الألفي الحجازية ، ومن تحتها الشاية ، وهي زي العلماء في ذلك الزمان ، ثم تحول إلى العباءة ، والغترة بدون عقال ، وهو زي رجال الدين في العهد السعودي .

كان الطلاب يشعرون أن للشيخ شخصية مستقلة ، فلم يكن يضيع وقته في غير منفعة ، وإنما كان يأتي في الوقت المحدد لحصته مع الطلبة ، ومن ثم يجلس في غرفة الانتظار مع كبار المعلمين أو يجلس لوحده ، وتبدو عليه أمارات الاتزان في حركاته وفي حديثه في غير اعتداد بالنفس أو تعال على الآخرين.

قضاء الحجاز في عصر الملك عبدالعزيز :
وعندما ضم الملك عبدالعزيز رحمه الله اقليم الحجاز ، وعهد إلى خيار العلماء والفقهاء في ذلك الزمن ومنهم الشيخ ، وأشار عليهم بأن يكون لهم مرجع معتمد للقضاة ، يعتمدون عليه غير مجلة الأحكام العدلية العثمانية ، فأمر بتكوين لجنة فقهية لتأليف ذلك ، وهب الشيخ رحمه الله لهذه المهمة العظمى ، وشمر عن ساعده .

تأليفه كتاب مجلة الأحكام الشرعية :
وانشغل بهذا العمل المكلف به ، بدأ العمل عليه ، ولكنه كلف بالعمل في المحكمة الشرعية فانشغل عن طباعته وإخراجه ، حيث عُين رئيسًا للمحكمة الشرعية في عام 1350هـ ، وتوفي رحمه الله قبل إصداره بحلته النهائية ، فقيض الله تعالى الشيخ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان عضو هيئة كبار العلماء لتحقيقه وإخراجه بداية هذا القرن.

ويعد مصدرًا أصيلًا ومرجعًا شرعيًا وجيهًا ، لكل من العلماء ، والفقهاء ، وذات فائدةٌ عظيمةٌ للقضاة والمفتين ، ولابد للبحث المتقن في الرجوع إليها للتزود من الاحكام الفقهية ، ويعد كتابه أول عمل علمي في الفقه الحنبلي ، حيث تم صياغة الأحكام الشرعية وكأنها قواعد قانونية .

وفاته :
توفي الشيخ رحمه الله في مساء التاسع من شهر شعبان عام 1359هـ بمدينة الطائف ، وذلك بعد معاناة مع المرض ، ودفن في المقبرة المجاورة لمسجد ابن عباس ، ولم يكن قد بلغ سن الخمسين من عمره ، وعلى الرغم من صغر سنه إلا أن موروثة العلمي وإنتاجه الفكري ودروسه المحفوظة والمدونة لدى طلابه في مكة المكرمة ومدينة جدة ، وكافة مناطق وبلدان المملكة ، وظلت علامة بارزة وفارقة تميزه عن بعض معاصريه وأقرانه.

By Lars