تحتفل المملكة هذه الأيام بذكرى مرور ستة وثمانون عاماً ، على توحيد المملكة تحت قيادة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود ، والذي أصدر مرسومًا ملكيًا في السابع عشر من شهر جمادي الأول عام 1351هـ ، الموافق التاسع عشر من شهر سبتمبر عام 1932م ؛ باعتبار يوم الخميس الموافق الحادي والعشرين من جمادي الأول عام 1351هـ ، والثالث والعشرين من سبتمبر عام 1932 يوماً وطنياً لتوحد راية المملكة ، وتصير كلها على كلمة واحدة ، وقلب رجل واحد.
فقد كانت راية التوحيد هي فاتحة النصر والازدهار على مملكتنا الحبيبة ، فبعدها بسنوات قليلة تم اكتشاف البترول ، واستطاعت القيادة الرشيدة أن تنهض ببؤر الاقتصاد الوطنية ، وتجعلنا من أقوى الأمم العربية وأعلاها مكانة بين الشعوب ، وقد كنا دائمًا هكذا فبيت الله المقدس زان أرضنا منذ ألاف السنين ، فأصبحت قبلة المسافرين ، وحُلم الجميع .
وبفضل بسالة الملك المؤسس ، وحنكته السياسية استطاع أن يلم الشمل ، ويوحد بين أرجاء المملكة بعد التفرق ، والتشتت ؛ ليصل بها إلى ما هي عليه الآن ، فقد رمى الأساس ، وانطلق من بعده البنيان ، ولا أخفيكم القول ، كان لهذا الرجل شخصية غريبة ، تجعلك تنبهر بها من أول لقاء يجمع بينكم .
فقد جمع بين الفراسة ، والقوة ، واللين ، فكان رحمه الله ذو قلبًا رحيمًا ، يساع كل أبناء المملكة ، وفي نفس الوقت يقسو على كتائب الأعداء ، والمتربصين ، كما أنه عرف قيمة التعليم في بناء مجد الأمم ، فأرسل البعثات ، وعنى بإنشاء دور العلم ، والتشجيع عليه.
أما عن صبره على الشدائد ، وقوة تحمله ، فلذلك قصة عجيبة ، حينما مرض المؤسس ، واتجه أحد الأطباء لزيارته والكشف عليه ، وجد بجسده 42 ندبة كلها من أثار طعنات الرماح والسيوف ، والبنادق ، والسهام ، وبجوارهم استقرت رصاصة منذ زمن طويل ، فتعجب الطبيب من كل هذه الجروح التي أخفى خبرها الملك ، وتحملها في صمت ، وطلب الطبيب من المؤسس أن يسمح له بإزالة الرصاصة من جسده ، فوافق على ذلك .
ولما هم الطبيب بوضع المخدر الموضعي على جسد الملك ، سأله الملك : ماذا يفعل ؟ فأعلمه بأمر المخدر الذي يمنع الإحساس بالألم ، وحينها طلب الملك مشرط الطبيب ، وشرط فتحة في موضع الرصاصة ، وأخرجها ! ، وطلب من الطبيب أن يقم بخياطة الجرح ، وهذا ليس بأمر غريب على رجل عاش عمره في ساحات الحروب من أجل قضية أمن بها ، إنها قضية الوطن.
ولم تكن كل هذه النديات في جسد المؤسس سوى علامات للنصر ، سجلت كل معاركه ، وحروبه ، وتاريخه الذي صنعه ببسالة منقطعة النظير ، فقد قضى 38 عامًا من الجهاد لتوحيد هذا الكيان العظيم ، وأختار العلم الأخضر الذي يحمل سيفان متقاطعان ، وأفضل جملة على وجه البسيطة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ، فكأنما جمع كل الدول الإسلامية تحت هذا الشعار .
فقد كان يقول دائمًا : لقد وحدت البلاد على نهج الكتاب والسنة ، وبهذا لا يعد ذلك الشعار يخص المملكة فحسب ، بل كل مسلم على وجه الأرض مهما اختلفت جنسيته لابد أن يرفع كلمة التوحيد ، وبهذا يقدم لنا المؤسس أروع الأمثلة والبطولات التي تدرس الآن للأجيال المتعاقبة ؛ ليتعلموا منها كيف يكون حب الوطن ، والذود عنه بكل نفيس .
ولا شك أن أبناء الملك الذين اعتلوا عرش المملكة من بعده كانوا يسيرون جميعهم على دربه ، فقد كانت المملكة من صعود إلى صعود ، حتى ارتقت أرفع الأماكن السياسية والاقتصادية بين الأمم ، وها هي الآن في عهد الملك سلمان تتقلد الأوسمة ، والمراكز المرموقة ، ولعل أكثر الأشياء التي ميزت حكام المملكة هي إخلاصهم في خدمة الحرمين الشريفين ، وتقديم العون والمساعدة للحجاج من كافة أنحاء العالم.
ويعد اليوم الوطني من كل عام فرصة عظيمة لاسترجاع تاريخ المملكة ، والاستفادة من أحداثه العظيم ، وسرد البطولات والأمجاد الوطنية للأبناء والأحفاد ؛ بالإضافة إلى الدعوة إلى لم الشمل ونبذ العنصرية كما فعل الملك عبد العزيز طوال سنوات حكمه.
خاصة أن هذا اليوم يقام به الاحتفالات ، والافتتاحات ، وكل ما يمكن أن يدخل السرور والفرح على قلب أبناء المملكة ، فبفضل هذا اليوم أصبحت المملكة اسما يستحق أن يدون في التاريخ ، ويشغل حيزًا من كتب المؤرخين ، والعلماء على مر العصور ، فرحم الله الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود ، وسدد خطا الملك سلمان ، وولي عهده.