أدى توتر الأجواء الشديد في بوهيميا يوم 23 مايو 1618م بين طائفتين مسيحيتين إلى طرد ثلاثة مسئولين كاثوليك من الاجتماع لكنهم لم يطردوا بطريقة عادية، فقد تم إلقائهم من النافذة، وبسبب تلك الحادثة اشتعلت حرب في بوهيميا استمرت لثلاثين عامًا، فقد خلالها ثمانية ملايين مواطن حياتهم بسبب أعمال العنف والمجاعات التي حدثت بسببها.
بداية التوتر بين الكاثوليك والبروتستانت في بوهيميا
بالطبع لم يكن إلقاء المسئولين من النافذة هو بداية القصة، فقد شهدت السنوات السابقة لتلك الحادثة توترات كبيرة بين الكاثوليك والبروتستانت، فقد حاربت الطائفتان بعضهما معظم القرن السادس عشر، حيث انتشرت البروتستانتية في جميع أنحاء القارة الأوروبية ومزقت الوحدة الدينية للإمبراطورية الرومانية المقدسة.
وفي عام 1555 ، أقامت معاهدة أوغسبورغ سلامًا غير مستقر بين المجموعتين، وبناء على تلك المعاهدة أصبح من حق حاكم الدولة أن يقرر الدين للأرض التي يحكمها.
وعلى الرغم من أن حكام بوهيميا الواقعة إلى حد كبير في جمهورية التشيك الحالية كانوا من الكاثوليك، إلا أنهم سمحوا عمومًا للبروتستانت بحرية العبادة، حتى أن رودولف الثاني ملك الإمبراطورية الرومانية المقدسة وملك بوهيميا، سمح بحرية العبادة في رسالته الملكية عام 1609.
ولكن كان هذا هو المكان الذي تعقدت فيه الأمور في الواقع، لأنه على الرغم من أن شقيق رودولف الثاني ويدعى ماتياس قد أبقى خطاب الجلالة في مكانه عندما تولى السلطة مكان أخيه، إلا أنه عين أيضًا ابن أخيه الكاثوليكي القوي فرديناند الثاني ملكًا على بوهيميا ووريثًا له.
أراد فرديناند الثاني الكاثوليكي المتحمس استعادة الكاثوليكية باعتبارها الديانة الوحيدة في أوروبا، ورفض خطاب الجلالة ورفض السماح للبروتستانت ببناء كنائس في مدينتي بروموف وهوروب.
أدى ذلك لجعل البروتستانت المحليون غاضبين بشدة، فاجتمعوا في براغ في مايو 1618م ، ليروا ما يقوله المستشارون الإمبراطوريون في هذا الشأن.
وخلال هذا الاجتماع الذي عقد في 23 مايو 1618، وجد أربعة نواب كاثوليك أنفسهم في مواجهة حشد غاضب من البروتستانت في المستشارية البوهيمية، وقد طالب البروتستانت الذين كان يقوهم الكونت جيندتش ثورن، بمعرفة ما إذا كان النواب الكاثوليك قد نصحوا الملك فرديناند بتجاهل خطاب الجلالة.
لكن اثنين من هؤلاء النواب استطاعوا الدفاع عن براءتهم فتم إطلاق سراحهما، إلا أن الاثنين الآخرين لم يحالفهما الحظ، فقد تم اعتقال الكونت فيليم سلافاتا والكونت ياروسلاف مارتينيتس وسكرتيرهم فيليب فابريسيوس من قبل حشد غاضب كبير من البروتستانت.
وقد صرخ ثورن قائد الحشد بأعلى صوت وبكل غضب: ” أنتم أعداء لنا، فقد حرمتونا من خطاب الجلالة، وتريدون إجبارنا على تبني ديانتكم”.
وأضاف ثورن بغضب أكبر” إذا كنا سنبقي هؤلاء الرجال على قيد الحياة فسوف نخسر ديننا، وعندها سوف يتم حرماننا من شرفنا وممتلكاتنا وحياتنا، فلن يكون هناك عدالة بسبب هؤلاء مرة أخرى”.
كانت كلمات ثولان مؤثرة للغاية وقد علم مارتينيتس وسلافاتا أنهم سيواجهون عقاب من الحشد المتحمس، لكنهما اعتقدا أنه سيقبض عليم، فصرخ مارتينيتس بحماس لا يقل عن حماس ثورن: “بما أن أن هذا يتعلق بإرادة الله والدين الكاثوليكي وإرادة الإمبراطور، فإننا سنعاني كل شيء بفرح وصبر”.
وبينما هو يصرخ ويطلب مساعدة السيدة مريم العذراء تم حمل الرجال الثلاثة بواسطة الحشود التي وجهتهم نحو نافذة مفتوحة، وتم إلقاء الثلاثة من ارتفاع 70 قدم تقريبًا.
ولكن عندما نظر البروتستانت من النافذة إلى ضحاياهم، تفاجأوا بأن المسؤولين الكاثوليك الثلاثة قد نجوا من السقوط.
فقد نهض مارتينيتز وفابريسيوس وهربا، أما سلافاتا ،فقد وعيه فالتقطه خدمه ونقلوه إلى بر الأمان بسرعة.
كيف نجا الرجال؟ سرعان ما ادعى الكاثوليك أن التدخل الإلهي أنقذ حياة هؤلاء الرجال ، وأصروا على أن السيدة العذراء سمعت توسلات الرجال المنكوبين وأنقذتهم.
وفي الواقع فإن الرجال كانوا قد سقطوا في كومة كبيرة من روث الخيول والسماد وقد خفف ذلك من أثر السقوط.
وعلى الرغم من عدم وفاة الرجال في براغ في ذلك اليوم، إلا أن الملك فرديناند قد غضب بشدة عندما علم ما حدث وتعهد بالانتقام السريع، وقد سبب ذلك حدوث فجوة كبيرة بين الدول الكاثوليكية والدول البروتستنانية داخل أنحاء أوروبا.
فسرعان ما اندلعت بوهيميا في ثورة مفتوحة، أدت في النهاية لخلع فرديناند الثاني كملك وكإمبراطور روماني مقدس، وتوج مكانه فريدريك الخامس والذي كان زوج ابنة جيمس الأول ملك إنجلترا.
وقد مزقت التحالفات المتقاطعة والخلافات الدينية والتوترات المستمرة الأراضي الأوروبية، وخلال الحرب التي استمرت ثلاثين عامًا تم القضاء على الكثير من الأراضي الزراعية وعانى السكان من المجاعات، ومات أكثر من 8 ملايين شخص خلال تلك المعارك.
وعلى الرغم من أن الصراع انتهى عام 1648 بما يعرف باسم صلح ويستفاليا ، إلا أن عقودًا من الحرب غيرت شكل أوروبا تمامًا.
فخلال تلك الأحداث فقدت إسبانيا قوتها، بينما اكتسبت فرنسا قوة كبيرة، أما بوهيميا فلم تفقد مكانتها كمملكة فحسب، بل فشلت أيضًا في الحفاظ على الاستقلال الديني الذي دافع عنه البروتستانت خلال أحداث براغ عام 1618م، فقد تم القضاء على البروتستانتية وأصبح معظم سكان بوهيميا كاثوليك، وحتى اللغة التشيكية تم قمعها داخل البلاد.
كما تركت حادثة رمي النوافذ في بوهيميا بصمتها من نواحي أخرى أيضًا فبعد ذلك بسنوات كثيرة، تم العثور على جثة دبلوماسي تشيكي يدعى جان ماساريك عام 1948م ميتا تحت نافذة حمامه في وزارة الخارجية في براغ.وادعى البعض أنه قد ألقى به حتى الموت – تم طرده – من قبل العملاء الشيوعيين، ومع ذلك فقد ذكر آخرون أنه مات منتحرًا.