كانت حملة ترعة السويس الأولى هي حملة عسكرية قامت بها القوات العثمانية ضد القوات البريطانية في جمهورية مصر العربية أثناء اندلاع الحرب العالمية الأولى ، وتُعرف هذه الحملة أيضًا باسم حملة “السفر برلك” وهي كلمة من أصل تركي والتي تعني “الحرب الأولى” .
وقد أُطلق عليها هذا الاسم لأنها كانت الحرب الأولى التي اندلعت بعد إقصاء عبدالحميد الثاني عن السلطة عن طريق حزب الاتحاد والترقي ، وقد وقعت هذه الحملة على قناة السويس ، غير أن هذه الحملة قد فشلت ، وهو ما جعل العثمانيون يرسلون رجالهم إلى أوروبا للقتال هناك .
بداية التخطيط إلى الحملة :
كانت بداية انطلاق الحملة يوم 28 يناير من عام 1915م ، حيث أرسل العثمانيون جيشًا بلغ عدده عشرين ألف جنديًا تحت قيادة جمال باشا والعقيد كريس فون كرسنشتاين ، فقامت القوات البريطانية بمواجهتهم بجيش قوامه ثلاثين ألف جندي بقيادة جون ماكسويل ، وقد كانت القوات العثمانية قد خططت في وقت سابق لتعيين قائد كبير ليتمكن من فرض السيطرة على منطقة بلاد الشام ومصر بعد أن خضعت إلى السيطرة الإنجليزية .
قام العثمانيون بتعيين أحمد جمال باشا المعروف بلقب السفاح كواليًا على سوريا بعد الوالي خلوصي بك ، وكان أحمد جمال باشا قائدًا عسكريًا من العثمانيين وكان ينتمي إلى زعماء جمعية الاتحاد والترقي ، وقد شارك في الانقلاب الذي حدث ضد السلطان عبدالحميد الثاني ، وقد بدا أحمد جمال باشا في ظاهره محبًا للعرب ، إلا أنه كان يبغضهم في الحقيقة وينتظر الفرصة التي تواتيه للانتقام منهم .
وحينما خرجت حملة السفر برلك كان هدفها المعلن آنذاك هو تحرير قناة السويس من الاحتلال البريطاني ، ولكن الهدف الخفي منها كان قطع طرق المواصلات بين بريطانيا ومستعمراتها الموجودة في آسيا وتحديدًا الهند ، والقيام بتجنيد الرجال من أجل إرسالهم ليقاتلوا في أوروبا ، فكانت المهمة الرئيسية لجمال باشا هو القضاء على السيطرة البريطانية داخل مصر من خلال هذه الحملة .
سياسة جمال باشا وفشل الحملة :
قام أحمد جمال باشا باعتماد سياسة القهر والبطش ، حيث قام بالقبض على زمام الأمور بيد من حديد ، وهو ما جعله ينشغل عن أعمال الحملة وإعدادها بسبب تركيزه الرئيسي على تعزيز سلطته وسطوته ، وعمل بشكل أساسي على إقصاء العرب عن المراكز الإدارية والقيادية ، وحينما حان وقت العبور إلى قناة السويس من أجل السيطرة على مصر قام جمال باشا بقيادة الجيش الرابع التركي ، ثم اخترق صحراء سيناء والتي لم يكن لديها طرق المواصلات المناسبة .
لم تتمكن القوات العثمانية من الوصول في أحسن حالاتها إلى القناة ، حيث أن قواهم كانت قد اُنتهكت في الطريق ، وهو ما جعل البوارج والقوات البريطانية تتمكن من حصد الجنود العثمانيين باستخدام مدافعهم ورشاشاتهم ، وعلى الرغم من تمكن بعض السرايا القليلة من عبور القناة ، إلا أن حملتهم فشلت فشلًا ذريعًا .
وقعت الحملة ضحية للفشل يوم 3 فبراير من عام 1915م ، حيث قُتل نحو 1500 جندي من العثمانيين عن طريق النيران التي خرجت من المدفعيات البريطانية ، وبعد فشل تلك الحملة قام العثمانيون بإرسال جنودهم إلى أوروبا من أجل المشاركة في الحرب العالمية الأولى ، وقد كان هذا الفشل هو مسؤولية أحمد جمال باشا الذي طغى وتجبر وأبعد القيادات البارزة من العرب ، حيث استبدلهم بالأتراك ، فكان رجلًا غير عادل ولا يتمتع بالحكمة التي قادته إلى هذا الفشل .