تُعتبر معركة ليبانتو واحدة من أبرز المعارك البحرية في تاريخ الدولة العثمانية ضد القوى الصليبية التي كانت تخشى من تقدم الجيوش الإسلامية ، حيث أن الدولة العثمانية كانت تتقدم بقوة برًا وبحرًا ، مما جعل البابا بيوس الخامس يجمع شمل أوروبا تحت راية الباباوية من أجل محاربة العثمانيين ، وهو الذي كتب :”إن السلطنة التركية قد تبسطت تبسطًا هائلًا بسبب نذالتنا”.
جمع القوى الصليبية ضد القوات العثمانية :
قام كل من البابا بيوس الخامس وملك إسبانيا فيليب الثاني وجمهورية البندقية بعقد معاهدة في بداية العام 1571م ، وقد نصت تلك المعاهدة على تنفيذ هجوم بحري ضد الدولة العثمانية ، وقد اشترك في ذلك الحلف المقدس بعض مدن إيطاليا ، حيث قام البابا بتحريك روح التحالف ليستطيع مواجهة القوات العثمانية .
قام البابا كذلك بطلب العون من ملك فرنسا “شارل التاسع” ، غير أنه اعتذر نتيجة ارتباطه بمعاهدات مع الدولة العثمانية ، فقام البابا بالرد عليه بأن يقوم بفضّ تلك المواثيق ، وبالفعل بعد أيام قليلة قام شارل بنقض كل العهود والمواثيق مع العثمانيين ، وتم اختيار النمساوي “دون جوان ” ليكون قائدًا للحملة .
الإعدادات لخوض معركة ليبانتو :
اتجه دون جوان ناحية البحر الأدرياتيك حتى بلغ المنطقة الضيقة من خليج كورنث القريبة من باتراس والتي لم تكن بعيدة عن ليبانتو التي أخذت المعركة اسمها ، كان قادة الأسطول الإسلامي يرون أنه من الأفضل عدم الاشتباك مع الأسطول الصليبي ، ولكن القائد العام علي باشا قرر أن يخرج لمواجهة الصليبيين ، حيث أنه اعتمد على تفوق عدد سفنه .
قام علي باشا بتنظيم قواته حيث وضع سفنه من الشمال إلى الجنوب على نسق واحد ، بحيث كانت تستند من جهة اليمين إلى مرفأ ليبانتو ، بينما كانت في عرض البحر من جهة اليسار ، وقام علي باشا بتقسيمها إلى جناحين وقلب ، حيث أصبح هو في القلب ، بينما كان سيروكو من الجهة اليمنى والقائد قلج علي في الجهة اليسرى .
وقام دون جوان من الجهة الأخرى بتنظيم قواته حيث جعل سفنه في مقابلة السفن العثمانية ، وكان القائد في الجهة اليمنى هو دوريا ، وكان قائد الجناح الأيسر هو بربريجو ، بينما كان دون جوان في القلب ، كما أنه نظمّ أسطولًا احتياطيًا كان تحت قيادة سانت كروز.
اندلاع المعركة ونتائجها :
اندلعت معركة ليبانتو في 17 أكتوبر من عام 1571م ، وقد قام الأسطول الإسلامي بإحاطة الصليبيين ، ثم دارت المعركة بصورة قاسية وكان الفريقان فيها في منتهى الشجاعة النادرة ، ولكن المعركة انتهت بهزيمة الأسطول العثماني حيث فقدوا نحو ثلاثين ألف محارب وذكرت بعض المصادر أنهم فقدوا عشرين ألف ، كما بلغت خسارئهم من السفن نحو 200 سفينة حربية من بينهم 93 سفينة قد غرقت ، بينما حصل العدو على بقية السفن كغنيمة تقاسمتها الأساطيل المتحدة ، كما تم أسر عشرة آلاف مقاتل من المسلمين .
تمكن قلج علي على الرغم من الهزيمة من إنقاذ سفنه ، كما حافظ على السفن التي غنمها ، وكان من بينها تلك السفينة التي كانت تحمل عمل البابا ، حيث عاد بها إلى إسطنبول ، وهناك تم استقباله بحفاوة كبيرة على الرغم من الشعور المرير بالهزيمة ، وقام السلطان سليم الثاني برفع القائد قلج علي ليحصل على رتبة قائد البحرية العثمانية “قبودان باشا” ، كما استمر في منصبه الآخر كبيرلبك للجزائر ، وعلى الجانب الآخر احتفلت أوروبا بذلك النصر الحافل ، حيث أن الهزيمة لم تحل بالعثمانيين منذ أوائل القرن الخامس عشر إلا في تلك المعركة .