تعد معركة عين جالوت واحدة من أهم المعارك التي حدثت في التاريخ واستطاعت أن تقتلع جذور المغول من كافة البلدان الإسلامية ، وقد دارت رحاها في الخامس والعشرين من رمضان سنة 658 هجرية ، عندما قام جيش المسلمين تحت قيادة الأمير سيف الدين قطز بإلحاق الهزيمة بجيش المغول الذي كان يقودهم كتبغا .
وذلك بعد أن سيطر المغول على بغداد وقتلوا الخليفة العباسي الموجود بها وهو الخليفة المستعصم الذي سقطت معه الخلافة العباسية ، كما استطاع المغول أيضًا السيطرة على الشام وكل مدنها وفلسطين حتى خضع الجميع لهولاكو زعيم التتار .
موقف المغول قبل المعركة :
كانت دولتهم تمتد من كوريا شرقًا إلى حدود الدولة الخوارزمية في الغرب وحتى بحر الصين من الجنوب ، واستمرت في التوسع حتى سيطرت على الشيشان ، وبعد أن استتب لهولاكو الأمر في إقليم فارس أسقط بغداد ثم سيطر بعدها على حلب ودمشق ، وبعد ذلك أكمل القائد كتبغا سلسلة المعارك وسيطر على مدن فلسطين التي كانت لا تخضع للصليبين .
موقف المسلمين قلب المعركة :
بعد الحملة الصليبية التي شنها الملك لويس التاسع على مصر ، والتي انهزم فيها على يد القائد أقطاي وبيبرس بمعركة المنصورة على إثر وفاة حاكم البلاد الصالح نجم الدين الأيوبي ، تولى الحكم خلفًا لأبيه توران شاه ، ولكنه قتل بعد شهور قليلة من حكمه وتولت شجرة الدر الحكم ، ثم تزوجت عز الدين أيبك وتنازلت له عن مقاليد أمور الدولة .
ولكن بسبب نشوب خلافات كبيرة بينهما على الحكم قتلت شجرة الدر زوجها أيبك ، بعد علمها بزواجه من ابنة حاكم الموصل ومن هنا ألقي القبض عليها من قبل سيف الدين قطز والمماليك ، وتم تسليمها لأم نور الدين أيبك فقتلتها ضربًا بالقباقيب ، وبعدها بويع الطفل نور الدين علي بن أيبك على الحكم .
ولكن حدثت الكثير من المشاكل واضطر قطز لعزله ، واعتلاء حكم مصر كي يستطيع مواجهة المخاطر الداخلية والخارجية ، وبالفعل بدأ قطز يرتب أوضاع الدولة الداخلية بمساعدة القائد ركن الدين بيبرس ، وهكذا تم توحيد القوة بقيادة سيف الدين قطز .
رسالة هولاكو إلى حاكم مصر:
أرسل هولاكو حاكم التتار أربع رسل برسالة يقول فيها : من ملك ملوك الأرض من الخاقان الأعظم ، نخبر الملك قطز وهو من الذين هربوا من سيوفنا إلى هذا الإقليم يتنعمون بنعمه ، ويعلم الملك الأعظم قطز وسائر أمرائه وكل من بداير مصر ، أن نحن التتار جند الله في أرضه خلقنا من سخطه .
ولقد سلطنا على من حل به غضبه ، فسلموا إلينا قبل أن تندموا فنحن لا نرحم من بكى ولا نرفق بمن شكى ، قد سمعتم أننا طهرنا البلاد وقتلنا العباد فعليكم الهرب وعلينا الطلب ، وأبشروا بالمذلة والهوان ، فمن طلب حربنا ندم ومن استسلم سلم .
ولقد كانت هذه الرسالة هي بداية إعلان الحرب من التتار على مصر ، فعقد قطز بعدها مجلس حرب قرر فيه قتل هؤلاء الرسل الأربعة وتعليق رؤؤسهم على باب زويلة في رسالة صريحة للتتار بقبول الحرب ، وقد قال قطز يومها لأمرائه : يا أمراء المسلمين لكم زمان تأكلون أموال بيت المال ، وأنتم للغزاة كارهون وأنا متوجه فمن اختار الجهاد يصحبني ، ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته فإن الله مطلع عليه ، وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المسلمين .
التجهيز للمعركة :
بدأ قطز في تجهيز الجيش وإصلاح الجسور والحصون ولكنه واجه أزمة اقتصادية طاحنة ، وأراد أن يفرض ضريبة على الناس ليجهز الجيش فذهب إلى المفتي العز بن عبد السلام الذي أفتاة بقوله الذي لم يخشى فيه لومة لائم حيث بين له أنه لا يجوز فرض الضريبة على العامة .
بل يجب أن يجهز الجيش بأموال الوزراء والأمراء فإن لم تكفي جاز فرض الضرائب ، فقرر قطز أن يبدأ بنفسه أولًا ويبيع كل ما لديه حتى ينفق على تجهيز الجيش ، وهكذا فعل كل الأمراء والوزراء ولما لم تكفي الأموال ، فرض قطز الضرائب بمقدار دينارًا واحدًا على كل فرد .
وبدأ قطز الاستعداد بكل قوته وقرر أن يخرج بنفسه لملاقاة جيوش التتار ولا ينتظرهم ، ليختار هو ميعاد المعركة والمكان المناسب ولكن في الطريق للمعركة كانت هناك مناطق محتلة من قبل الصليبين في فلسطين ، فقرر أن يرسل لهم لكي يعقد معهم هدنة يحمي بها ظهره وبالفعل عقد هدنةً معهم .
وبدأ الجيش المسلم في التحرك نحو فلسطين ، وبينما هو في طريقه كانت غزة محتلة من قبل التتار وكانت حامية غزة صغيرة فغزاها بيبرس ومن معه ، وسيطروا عليها وقتلوا بعض جنود التتار الموجودين بها بينما فر الآخرون .
المعركة :
تحرك جيش المسلمين إلى سهل البقاع في نفس التوقيت الذي كان يتحرك فيه جيش كاتبغا ، ووصل جيش المسلمين إلى سهل عين جالوت بين مدينة نابلس وبيسان ، ورُتب الجيش ففي المقدمة كان القائد بيبرس أما بقية الجيش فكانت تختبئ خلف التلال والأشجار .
وفي صباح يوم الجمعة الموافق 25 رمضان سنة 658 بدأت جيوش المسلمين تنزل فرقة فرقة وكل فرقة بلون معين ، وكانت تدق طبولها بطرق مختلفة وتراصوا على الجانب وتركوا السهل خاليًا لكي يغروا كاتبغا قائد التتار فيتخيل أن قوة المسلمين قليلة .
وبالفعل انطلت عليه الخدعة وقرر أن يقتحم بجيشه ظنًا منه أن ما يوجد أمامه هو كامل الجيش ، ولم يكن يعلم أن البقية تختبئ خلف الأشجار والسهول ، وبدأ القتال مع مجموعة بيبرس فقاتلوا قتال الأبطال وثبتوا أمام سيل المغول الجارف .
حتى أن كتبغا قرر أن يرسل كل جنوده ولم يبقى له قوة احتياط ، وهنا بدأ بيبرس يسحب جنوده ويظهر للتتار الانسحاب لكي يسحبهم إلى سهل عين جالوت ، وبعد فترة دخل كل جيش التتار إلى السهل وانسحب جيش بيبرس من الجنوب ، فنزل جيش المسلمين الرئيسي من خلف الأشجار والتلال ومن كل الاتجاهات حتى أحاطوا بجيش التتار من كل الجوانب .
وبدأ القتال الرهيب ولكن ميمنة جيش التتار كانت متفوقة ، لذا استشهد كثير من المسلمين فدفع قطز بقوة احتياطية تساعدهم ، ولكن ظل التتار متفوقين فتدخل قطز عندما نزل إلى ساحة القتال بنفسه ورمى خوذته على أرض المعركة وهو يصرخ بصوتٍ عالٍ وإسلاماه وإسلاماه .
فبث في جيش المسلمين روح العزيمة واستطاعوا بعدها أن يسيطروا على الموقف ، ومالت الكفة للمسلمين عندما بدأ القتال يحتدم خاصة بعد أن تقدم أمير من المسلمين يسمى جمال الدين قراقوش واخترق صفوف التتار حتى وصل إلى قائدهم كتبغا واستطاع قتله
ومن هنا بدأت الهزيمة الساحقة للتتار فانهزموا شر هزيمة وبدئوا يهربون فمنهم من فر إلى بيسان وطاردهم المسلمون وقاتلوهم قتال الأبطال ، حتى أبادوا جيش التتار عن بكرة أبيه ولم يبق منهم على قيد الحياة أحد .
وبعد هذا النصر الساحق للمسلمين بدأ قطز يفكر في تحرير باقي بلاد المسلمين من حمص وحلب والشام ومن هنا تم كسر شوكة المغول ، واستطاع جيش المسلمين وقف تمدد المغول وزحفه في العالم الإسلامي إلى النهاية .