المورسكيون هم المسلمون الذي ظلوا في إسبانيا ولم يرتحلوا منها ، عقب سقوط غرناطة بالقرن السادس عشر ، وبقوا تحت اظل الحكم المسيحي في إسبانيا حيث تم تخييرهم بين الإقامة بها ، أو الارتحال ، فارتحل عددًا كبيرًا منهم نحو شمال أفريقيا ، وانطلقوا نحو بلاد المغرب حيث كانت هي الأقرب لهم ، بينما ظل عدد كبير منهم في إسبانيا ، وباتت قصتهم مميزة نوعًا ما .

تقاليد غريبة :
جرى فرض الدين المسيحي على بقي من المسلمين في إسبانيا ، إبان فترة القرن السادس عشر ، حيث جرى تعميدهم عنوة ، وتم منعهم من ممارسة شعائرهم الدينية الإسلامية ، وظلت محاكم التفتيش الخاضعة للسلطة الحاكمة آنذاك ، تعمل على مراقبتهم أولاً بأول ، من أجل بحث أنشطتهم والتأكد من تدينهم بالمسيحية .

نقض معاهدة تسليم غرناطة :
عقب سقوط غرناطة في عام 1492م ، تم عقد معاهدة تقتضي ترك المسلمين يمارسون شعائرهم الدينية بحرية ، ولكن مع عدم وجود أية مملكة مسلمة أو جهة إسلامية كبرى تدافع عن حقوقهم ، نقض كل من الملكين إيزابيلا الأولى وفرناندو الثاني تلك المعاهدة ،

وفرضوا على مسلمي غرناطة قيودًا منعتهم من ممارسة حريتهم الدينية كما يجب ، بل وفرضا على المسلمين أن يتدينوا بالدين المسيحي ، مع عدد آخر من القرارات الصارمة بحقهم ، ولكن هؤلاء تمسكوا بعقيدتهم الإسلامية على مدار مائة وعشرون عامًا من سقوط غرناطة ، ومارسوا شعائرهم خفية .

ظل الأذان يتردد حتى عام 1495م ، حيث كانت بعض المدن في الجنوب ترفع الأذان مثل مدينة سورباس ، ولكن صدرت فرمانات صارمة بعدم رفع الأذان ، أو التخضب بالحناء ، ولابد من الذهاب إلى الكنائس لتعلم الدين المسيحي ، وعدم تسمية الأبناء بأسماء إسلامية .

كان كارلوس الأول أثناء حكمه يستولي على ذهب المسلمين ، مما دعاهم إلى إخفاء ممارساتهم لشعائرهم الدينية ، والتظاهر بالتدين للدين المسيحي فقط ، ولكن مع قدوم فيليبي الثاني ازداد الأمر سوء ، وكوّن المسلمون جماعات سرية ، يحضر إليها الفقهاء منهم لتعليمهم شعائر الإسلام ، مما دفع العديد منهم إلى الهجرة خارج حدود إسبانيا ، بينما ظل البعض يواجهون تعنّت الحكام المسيحيون .

ظل المورسكيون يؤدون شعائرهم سرًا لفترات طويلة ، فأقاموا الصلاة سرًا ورتلوا القرآن في الخفاء ، حيث يقف أحدهم خفية ليراقب الطريق أمام المنازل حتى لا يقع المسلمون في مشاكل مع السلطة الحاكمة .

وانعدمت لديهم إقامة شعائر صلاة الجمعة ، فلا يجب على المسلم أن ينظف نفسه كثيرًا حتى لا تكن نظافته في يوم الجمعة دليلاً على إسلامه ، كما يجب عليهم ألا يعملوا أيام الأحد من كل أسبوع ، احترامًا للعقيدة المسيحية التي من المفترض أنهم يدينون بها .

وكانت أصعب الشعائر التي لم يستطع المورسكيون تأديتها ، هي رحلة الحج ، والتي كانت تُسمح فقط لمن يعيشون في قشتالة وأراجون ونابارا ، تعرض المورسكيون لضغوط شديدة ، من ناحية تناول الطعام والشراب ، فكانوا لا يقربون الخمر أو لحم الخنزير وكانت لهم محال جزارة خاصة بهم وحدهم ، ولكن ما أن عرف الحكام بالأمر حتى أغلقوها وأجبروهم على تناول الخمر ولحم الخنزير ، وتم منعهم من إقامة الاحتفالات أو ارتداء أي زي يعبر عن الديانة الإسلامية.

الاحتفالات والزواج :
تم حظر الزواج المبكر للمورسكيين ، وكانت ظروف الولادة غريبة بعض الشيء إذا كان لابد أن تكون القابلة مسيحية ، ويتم تعميد الطفل فور ولادته ليصبح مسيحيًا ، مما دفع بعض القابلات المسيحيات لرفع أسعارهن ، فاشتكت النساء المورسكيات للحاكم ، فأمر أن تمارس المورسكيات طقوس الولادة ولكن تحت إشراف قابلة مسيحية ، ويتم إطلاق اسم مسيحي على الطفل .

ثم يراقب الطفل من قبل رجال الدين المسيحي لفترات طويلة ، ممن تثق بهم السلطة ، ولكن كان المورسكيون يحتفلون سرًا بقدوم المولود ويطلقون عليه اسًما إسلاميًا مثل موسى وإبراهيم ويوسف وغيره ، وكان ختان الطفل الذكر دليلاً على الإسلام ، ويعرض والد الطفل للمثول أمام المحاكم حيث يحاكم الأب بالتدين بالإسلام أو اليهودية .

وكان عدد كبير من المسيحيون ، لا يؤمنون بتنصير الأطفال أو المسلمين دون أن يتعلموا شعائر الدين المسيحي ، وكانوا يفسرون عدم انتماء المورسكيين للمسيحية نظرًا لجهلهم بتلك الشعائر ، فأرسل الملكان العديد من القساوسة إلى منازل المسلمين ، وتم تنظيم عددًا من الحملات التبشيرية خلال تلك الفترة من القرن السادس عشر.

وفي النهاية تمسك المورسكيون بدينهم الإسلامي على مدار سنوات طويلة ، مارسوا خلالها شعائرهم سرًا ، ووجد المؤرخون العديد من الآثار التي دللت على فترة وجودهم بغرناطة ، كما سمحت علاقاتهم الطيبة بالمسيحيين في هذا الوقت ، على تحملهم للمشقة التي واجهوها في إسبانيا في هذا الوقت .

By Lars