غزو بولندا أو ما يعرف بحملة سبتمبر لعام 1939م ، هو عبارة عن هجوم مزدوج شنّته كل من القوات الألمانية والسوفيتية في عام 1939م على دولة بولندا أو الجمهورية البولندية ، وكان الهجوم قد بدأ على بولندا في يوم 1 سبتمبر من عام 1939م ، عندما قامت ستون فرقة من الجانب الألماني وتضم أكثر من مليون نصف جندي ألماني ، بالتوجه نحو بولندا من الجانب الغربي لها ومهاجمتها .
وعقب مرور أسبوعين فقط أي في يوم 17 سبتمبر من نفس العام ، توجهت قوات من الجانب السوفيتي نحو الجانب الشرقي لبولندا ، وقامت بمهاجمته مثلما فعلت ألمانيا ، وكان ذلك الهجوم المزدوج قد تم إثر توقيع اتفاقية بين الجانبين الألماني والسوفيتي قبل الهجوم بشهر واحد ، من أجل تقسيم الأراضي البولندية .
تجهيزات المعركة :
رغبة الجانب الألماني في التوسع بالمنطقة ، تمثّل في عملية التسلح الذي عززته العقلية الألمانية كأحد عناصرها السياسية. ورغبت ألمانيا في إتمام الأمر دون تدخلاً عسكريًا وقائيًا من الجانب الفرنسي أو الدول الشرقية على حدود ألمانيا مثل كل من تشيكوسلوفكيا ، وبولندا ، مع رغبة القيادات الألمانية في إخفاء تفكيرهم بالحروب عقب خسائرها في الحرب العالمية الأولى .
فقد فقدت ألمانيا حوالي مليوني جنديًا ألمانيا خلال الحرب العالمية الأولى ، وهذا ما جعل القادة ينأون عن الإفصاح بشأن أهدافهم ، وظهر هتلر بمظهر البريء الذي أجبرته الحرب العالمية الأولى على تنفيذ معاهدة فرساي ، والتي تسببت في جعل ألمانيا دولة حبيسة لا تستطيع حق تقرير مصيرها .
ولذلك لجأ الألمان إلى أسلوب الدعاية الكاذبة ، وإيهام المواطنين والعالم أجمع بأن ألمانيا تسعى للدفاع عن نفسها فقط ، وعُرضت ألمانيا في هذا الوقت كضحية لمن اعتدوا على أراضيها ، مع إخفاء واضح لأهداف ألمانيا في التوسع الإقليمي بشدة .
دعاية مخادعة :
قبل أن تبدأ ألمانيا في الهجوم على جارتها بولندا ، قام الإعلام الألماني بإطلاق عددًا من الدعاية الكاذبة والملفقة ، من أجل كسب تعاطف الشعب الألماني والحصول على تأييده لحرب جديدة ، ظاهرها الدفاع عن النفس ، وباطنها الاستيلاء على بولندا المجاورة .
قام هتلر في هذا الوقت بإرسال مجموعة من رجال القوات الخاصة وهم متنكرون في زي جنود بولنديين ، لمهاجمة موقع الإذاعة الألمانية في مدينة غليفيتش ، وذلك في يوم 31 أغسطس من عام 1939م ، حتى يبدو الأمر من لجانب الألماني دفاعًا عن الدولة .
وبالفعل في اليوم التالي لهذا الحادث ، أعلن هتلر بأنه سوف يرسل قوات ألمانية من أجل الرد على هذا التجاوز البولندي في حق الرايخ. كما أمر المكتب النازي المسئول عن الصحافة بعدم ذكر كلمة حرب نهائيًا في أية بيانات أو أحداث تقوم بها ألمانيا ، لإبعاد الشبهات عنها.
فقامت الصحف النازية آنذاك بإظهار ألمانيا بمظهر الضحية ، المدافعة عن ممتلكاتها وأراضيها ضد العدو البولندي ، لم تتوقف الدعاية الألمانية المخادعة لشعبها وللعالم عند هذا الحد فقط ، بل أوغلت في الكذب عندما نشرت دعاية بشأن هجوم بولندي جديد على مدينة برومبرغ ، حيث فر الجيش الألماني إليها ولاحقتهم القوات البولندية في حادث بشع ، راح ضحيته بين 5 آلاف إلى 6 آلاف ألمانيًا .
وبالغت الصحافة في هذا الوقت بشأن عدد الضحايا الحقيقي ، حيث نشرت الصحف بأن عدد القتلى كان 58 ألف شخصًا مدنيًا من الأبرياء ، وبهذا الشكل أقنعت الدعاية الألمانية الكاذبة الرأى العام بالداخل والخارج أن غزو بولندا وما تلاه من خسائر وخراب ودمار شامل بها ، كان غزوًا مبررًا .
الغزو :
بحلول اليوم الأول من شهر سبتمبر لعام 1939م ، بدأ الغزو الألماني لبولندا ، الذي تسبب فيما بعد في كوارث وخسائر فادحة ، دبر النازيون الحرب مع بولندا إخفاء أغراضهم الحقيقية من احتلالها ، وقد أدت الضربة الجوية الأولى من الجانب الألماني إلى تدمير قدر كبير وضخم من السلاح الجوي البولندي .
ولكن البولنديون لم يستسلموا بسهولة فقد أبدى الطيار البطل ستانيسلاف سكالسكي كفاءة وقوة في الدفاع عن بلده ، حيث نجح في إسقاط ثمانية عشرة طائرة ألمانية ، وفي يوم 6 سبتمبر توغل الألمان إلى بولندا أكثر عبر نهر الفيستولا عند شيلمنو Chełmno ، وبحلول اليوم التاسع عشر من نفس الشهر استسلم القائد البولندي بورتنوفسكي Bortnowski ، مع مائة وسبعون ألفًا من جنوده في قطاع كونتو Kunto .
وفيما يتعلق بهجوم السوفييت على بولندا ، كان الاتحاد السوفيتي قد وقع معاهدة عدم تعدي مع بولندا في عام 1932م ، ومن المفترض أن تنتهي تلك المعاهدة عام 1945م ، ولكن أقدم الجانب السوفييتي على إعلان عدم صلاحية الاتفاقية نظرًا لانتهاء وجود الدولة البولندية ، وتمت مهاجمة بولندا من قبل الجيش السوفييتي في عام 1939م ، مما مثّل طعنة قوية للمقاومة البولندية فسقطت بولندا في أيديهم .
كان الاتحاد السوفيتي مرتبطًا مع بولندا باتفاقية عدم اعتداء وقعت عام 1932م وتنتهي عام 1945م لكن في 17 سبتمبر 1939م ، أعلن السوفيت للبولنديين أن الاتفاقية فقدت صلاحيتها لانتهاء وجود بولندا كدولة ، وقاموا في نفس اليوم بغزو بولندا فكان الضربة القاضية للمقاومة فيها .
تحركات دبلوماسية :
بعدما تحركت القوات الألمانية لغزو بولندا ، أرسلت الحكومة البريطانية تحذيرًا لها وطالبت ألمانيا بالانسحاب من الأراضي البولندية ، وإلا سوف تفي بريطانيا بالتزاماتها نحو بولندا ، وفي اليوم الموافق 5 سبتمبر تم عقد مؤتمر دعا إليه الزعيم الإيطالي موسوليني ، من أجل بحث الأوضاع في بولندا ، واشترط الحلفاء أن يتم إيقاف الزحف الألماني داخل بولندا والانسحاب منها ، ومع تمسك هتلر بموقفه وإهماله لتحذيرات كل من بريطانيا وإيطاليا ، أعلنت كل من بريطانيا وفرنسا حربهم على ألمانيا .
وبالتالي كان الغزو الألماني لبولندا هو شرارة اندلاع الحرب العالمية الثانية ، حيث أعلنت بريطانيا الحرب على ألمانيا وتلتها فرنسا ، وعلى الجانب الآخر تم عقد اتفاقية تقسيم للأراضي البولندية بين كل من ألمانيا وروسيا ، حيث يحصل الروس على ثلث الدولة ، بينما تستولي ألمانيا على الثلثين الآخرين ، بالإضافة إلى الاتفاق على تسليم ثلاثمائة ألف طنًا سنويًا ، من الفحم الخام إلى ألمانيا .
نهاية وخسائر :
استسلمت القوات البولندية واحدة تلو الأخرى ، حيث سقطت مدينة مودلين Modlin أولاً ، تبعتها مدينة وارسو عقب أسبوعين من المقاومة ، بقيادة يوليوس رومل Juliusz Rómmel ، ولا داعي لذكر أن هذا الغزو قد أسفر عن مقتل ، مئات الآلاف من البولنديين الذين قاوموا القوات الألمانية ، وهو عدد أقل بكثير ممن قتلوا في المعسكرات النازية على يد الألمان على مدار خمس سنوات ، حيث قتل أكثر من أربعة ملايين بولندي ، في حين خسرت ألمانيا حوالي عشرة آلاف قتيل فقط .
ومن الناحية السياسية ، يعد هذا الغزو هو الأسوأ بالنسبة لبولندا ، إذا تم تقسيمها بين كل من روسيا وألمانيا ، فاختفت تمامًا من الخرائط الأوروبية ، ولكن استعادت بولندا أراضيها التي استولت عليها القوات الألمانية عقب الحرب ، أما ما احتلته روسيا لم تتم استعادته حتى الآن ، وفي المقابل تحصلت بولندا على أجزاء أخرى من ألمانيا .