هو الصحابي الجليل عتبة بن غزوان من السابقين الأولين في الإسلام ، كان حليفًا لبني نوفل بن عبد مناف في الجاهلية وهو صحابي ممن شهدوا بدًا وشارك مع النبي صلّ الله عليه وسلم في كل الغزوات وشارك في فتح العراق هو عتبة بن غزوان بن جابر بن وهيب المازني من أول المسلمين السبع ، هاجر عتبة رضي الله عنه إلى أرض الحبشة ثم هاجر بعد ذلك إلى يثرب مع مولاه خباب والمقداد بن عمرو .
أخى الرسول صلّ الله عليه وسلم بينه وبين أبي دجانه كان من الرماة المهرة وبعد وفاة الرسول صلّ الله عليه وسلم شارك في غزوات فتح العراق .
غزوات العراق :
نام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بعد صلاة العشاء فقد كان يريد بعض الراحة حتى يستعين بها على العس في الليل ، وقد حمل البريد إليه أن جيوش الفرس المنهزمة أمام المسلمين كان كلما أوشك جنده على أن يجهزوا عليها يأتيها المدد من هنا وهناك فتستعيد قوتها وتعاود القتال وقيل له إن مدينة الأبوله تعد من أهم المصادر التي تمد جيوش الفرس المنهزمة بالمال والرجال فعزم على أن يرسل جيش لفتح الأبوله وقطع امتداداتها عن الفرس ولكنه اصطدم بقلة الرجال عنده وذلك لأن شباب المسلمين وكهولهم قد خرجوا يضربون في الأرض غزاة في سبيل الله .
فقام بالاستعانة بطريقته التي عرف بها وهي التعويض عن قلة الجند بقوة القائد ، فلما فكر عمر قال وجدته إنه مجاهد عرفته بدر وأحد والخندق وشهدت له اليمامة ومواقفها فما أخطأت له رمية وهاجر الهجرتين وكان سابع سبعة أسلموا على ظهر الأرض ولما أصبح الصبح قال عمر بن الخطاب أحضروا لي عتبة بن غزوان وعقد له الراية على 300 رجل ووعده أن يمده بعد ذلك بما يتوافر له من الرجال .
كلام الفاروق عمر لعتبة بن غزوان :
ولما عزم الجيش الصغير على الرحيل وقف الفاروق عمر رضي الله عنه يودع قائده عتبة ويوصيه وقال له ” يا عتبة إني قد وجهتك إلى أرض الأبوله وهي حصن من حصون الأعداء فأرجو الله تعالى أن يعينك عليها فإذا نزلت بها فأعدوا قومها إلى الله فمن أجابك فقبل منه ومن أبى فخذ منه الجزية وإلا فضع في رقابهم السيف في غير هوادة واتقي الله يا عتبة فيما وليت عليه وإياك أن تنازعك نفسك في كبر يفسد عليك أخرتك وأعلم أنك صحبت رسول الله صلّ الله عليه وسلم فأعزك الله تعالى به بعد الزلة وقواك به بعد الضعف حتى صرت أميرًا مسلطًا وقائدًا مطاع تقول فيسمع منك وتأمر فيطاع أمرك فيا لها من نعمة إذا هي لم تبترك وتخدعك وتهوي بك إلى جهنم أعازك الله وأعاذني منها “
حوادث الطريق والبحث عن الطعام :
ومضى عتبة بن غزوان رضي الله عنه برجاله ومعه زوجته وخمس نسوة أخريات من زوجات الجند وأخواتهم حتى نزلوا في أرض قصباء لا تبعد كثيرًا عن مدينة الأبوله ، ولم يكن معه طعام يأكلونه فلما اشتد عليهم الجوع قال عتبة لأحدهم التمسوا لنا في هذه الأرض طعامًا ، فقالوا يبحثون عما يسد جوعتهم وكانت لهم من الطعام قصة رواها أحدهم وقال :
بينما كنا نبحث عن شيئًا نأكله دخلنا أدمة فإذا فيها فإذا بها (قفتان ) في أحدهما تمر وفي الأخر حب أبيض صغير مغطى بقشر أصفر فجذبنهما حتى وصلنا للعسكر فنظر أحدهم وقال على الحب الأصفر هذا سم أعده لكم العدو فلا تقربون منه فملنا للتمر وجعلنا نأكل منه وإذا بنحو كذلك فإذ بفرس قد قطع قياده وأقبل على الحب وجعل يأكل منه وهممنا أن نذبحه قبل أن يموت حتى ننتفع بلحمه فقام صاحبه وقال دعوه وسوف أحرسه الليلة فإن أحسست بموته ذبحته فلما أصبحوا وجدوا الفرس معافًا فقالت أخته يا أخي إني سمعت أبي يقول إن السم لا يضر إلا وضع على النار وأخذت شيء من الحب ووضعته في القدر وأوقدت تحته وقالت تعالوا انظروا كيف أحمر لونه وجعل يتشقق عنه قشره وتخرج منه الحبوب البيض فألقيناه في الجفنه لكي نأكله فقال عتبة أذكروا اسم الله عليه وكلوه ، فأكلاه فإذا هو غاية في الطيب وعرفنا بعد ذلك أنه الأرز ،
فتح الأبوله :
كانت الأبوله مدينة حصينة قائمة على شاطئ دجلة وكان الفرس قد اتخذوها مخازن لأسلحتهم وجعلوا من أبراج حصونها مراصد لمراقبة أعدائهم ، وهذا لم يمنع عتبة من غزوها على الرغم من قلة رجاله فلم يجتمع له من الرجال غير 600 مقاتل تصطحبهم طائفة قليلة من النساء ولم يكن عنده من السلاح غير السيوف والرماح فكان لابد له من استعمال ذكائه .
أعد عتبة للنسوة ريات رفعها على أعواد الرماح وأمرهن أن يمشين بها خلف الجيش وقال لهن إذا نحن اقتربن من المدينة فأثرن التراب حتى تملأن به الجو فلما دنو إلى الإبوله خرج إليهم جند الفرس فرآه إقدامهم عليهم ونظروا إلى الرايات التي تخفق ورائهم ووجدوا الغبار يملئ الجو خلفهم فقال بعضهم لبعض إنها طليعة العسكر وإن ورائهم جيشًا جرار يثير الغبار ونحو قلة ودب في قلوبهم الذعر وسيطر عليهم الجزع فطفقوا يحملون ما خف وزنه وغلا ثمنه ويتسابقون لركوب السفن الراسية في دجلة ويولون الأدبار فدخل الأبوله دون أن يفقد أحد من رجاله وفتح ما حولها من المدن والقرى وغنم غنائم عزت على الحصر وفاقت كل تقدير .
حتى أن بعض رجاله عاد للمدينة فسأله المسلمون عن الرجال في الأبوله فقال عما تسالون فولله قد تركتهم يكتالون الذهب والفضة فأخذ الناس يشدون إلى الأبوله الرحال ، وعند ذلك رأى عتبة أن إقامة جنوده في المدن المفتوحة سوف تعودهم على لين العيش وتخلقهم بأخلاق أهل تلك البلاد وتفل من عزائمهم على مواصلة القتال فكتب إلى أمير المؤمنين عمر يستأذنه في بناء البصرة ووصف له المكان ووصفه المكان الذي اختاره لها فأذن له .
ترك الإمارة :
اختط عتبة المدينة الجديدة وكان أول ما بناه مسجدها العظيم وتسابق الجند على اقتطاع الأرض وبناء البيوت ولكن عتبة لم يبنى له بيتًا وظل يسكن خيمة من الأكسيه وذلك لأنه كان قد أسر في نفسه أمرًا فلما رأى أن الدنيا أقبلت على المسلمين إقبالًا يذهل المرء عن نفسه وأن رجاله الذين كانوا منذ قليل لا يعرفون طعام أطيب من الأرز المسلوق قد تذوقوا أكل الفرس فخاف على دينه فجمع الناس في المسجد وخطبهم فقال :
” أيها الناس إن الدنيا قد آذنت بالانقضاء وأنتم منتقلون عنها إلى دار لا زوال فيها فانتقلوا إليها بخير أعمالكم وقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلّ الله عليه وسلم وما لنا طعام غير ورق الشجر وقد التقيت بردة ذات يوم فشققتها بيني وبين سعد بن أبي وقاص وإذا نحو اليوم لم يبقى منا واحدة إلا وهو أمير على مصر من الأمصار وإني أعوذ بالله أن أكون عظيمًا عند نفسي صغيرًا عند الله “
وفاته :
ثم استخلف عليهم رجل منهم وودعهم ومضى إلى المدينة المنورة فلما قدم على الفاروق استعفاه من الولاية فلم يعفيه فألح عليه ولكن الخليفة أمره بالعودة للبصرة فركب رحالته كارهًا وهو يقول اللهم لا تردني إليها فاستجاب الله تعالى دعائه ولم يبعد عن المدينة كثيرًا حتى عثرت ناقته فخر عنها صريعًا وفارق الحياة .