بعد أن آذن الله تعالى لنبيه صلِّ الله عليه وسلم بالهجرة حدثت العديد من الأحداث التي تحمل في معناها الكثير من العبر والمواعظ ، ومن هذه المواقف أثناء سيره صلّ الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة المنورة مر النبي صلِّ الله عليه وسلم بسيده لم تكن مسلمة ولكنها عندما رأته ما كان عليها إلا أن تؤمن به تصدقه وهذا بسبب ما رأته من علامات النبوة العظيمة والمعجزات التي رأتها .
قد أوتيت تلك السيدة من البيان ووصفت النبي صلِّ الله عليه وسلم وصفًا يعجز عن قوله كبار وفطاحل البلغاء ، وهذه السيدة هي عاتكة بنت خالد وعرفت بكنيتها أم معبد رضي الله عنها ، تم ذكر السيدة أم معبد عند عدد من أئمة الحديث فحديثها صحيح رواه الإمام البغوي وأخرجه الحاكم ورواه الحافظ بن كثير .
تقول أم معبد أن رسول الله صلِّ الله عليه سلم عندما خرج من مكة مهاجرًا بصحبة أبي بكر الصديقة إلى المدينة ومعهم عامر بن فهيرة مولى أبي بكر رضي الله عنهما والدليل عبدالله بن أريقط مروا بخيمة أم معبد وكانت امرأة مسنة كبيرة في السن فسألوها عن لحمًا يشتروه منها ولكنهم لم يجدوا عندها شيئًا وكان القوم قد نفد زادهم وأصابهم القحط .
فنظر الرسول صلِّ الله عليه وسلم لشاه في طرف الخيمة وسألها عنها فقالت إنها شاه خلفها الجهد بمعنى أنها هزيلة ولا تقدر على المشي فسألها هل بها حليب فقالت إنها ضعيفة فقال لها النبي صلِّ الله عليه وسلم أتأذنين لي أن أحلبها فقالت بأبي وأمي إن رأيت بها حلبًا فاحلبها ، فدعا رسول الله صلِّ الله عليه وسلم ومسح عليها وفتحت الشاة قدميها للحلب لكثرة ما اجتمع بها من الحليب بفضل دعاء النبي صلِّ الله عليه وسلم .
فدعا النبي صلِّ الله عليه وسلم بإناء وشربوا وتثاقلوا ، كان الحليب يصب من ضرعها ويسيل سيلانًا لكثرته ووفرته ، وشربت أم معبد حتى شبعت وشرب الرجال أكثر من مرة وحلبها ثانية قبل الرحيل فلما رأى زوجها الحليب قال لها من أين لك بهذا يا أم معبد الشاء عازب فقالت له مرَّ بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا ، فقال لها صفيه فقالت :
” رأيت رجلًا ظاهر الوضاءة ، أبلج الوجه ، لم تعبه فجله وسيم قسيمفي عينيه دعج ، وفي أشفاره وطف ، وفي صوته صحل ، وفي عنقه سطع ، وفي لحيته كثاثة تعني كثرة والتفاف ، إن صمت علاه الوقار ، وإن تكلم سما ؛ أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأجلاه وأحسنه من قريب، حلو المنطق، فصلٌ لا نزر ولا هذر، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرنَ ، ربعةٌ لا يأس من طول ، لا تحتقره العين حين تشاهده ، وليس بالقصير ، فهو أنضر الثلاثة منظرًا ، وأحسنهم قدرًا ، له رفقاء يحفون به ، إن قال أنصتوا لقوله ، وإن أمر تبادروا لأمره ، محشود محفود ، لا عابس ولا مُفند ” وحين سمع زوجها الوصف قال إنه صاحب قريش ثم قال لقد هممت أن أصحبه ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيل .