كانت دولة بنو جهور من الدول الحاكمة في قرطبة ، وهي من أصول عربية شامية ، وقد حكمت هذه الدولة منذ عام 422 هجريًا وحتى 462 هجريًا ، وكانت واحدة من دول الطوائف التي تم تأسيسها في قرطبة بعد سقوط الدولة الأموية ، حيث أسسها أبو الحزم بن جهور والذي نجح في إقامة منهج إداري فريد من نوعه عُرف باسم “حكومة الجماعة” حتى سقطت الدولة بعد تغيير السياسة العادلة ، وقد ازدهر تاريخ الأندلس على يد المسلمين في كافة عصورهم .
دولة قوية :
بعد وفاة الوزير جهور قام أهل قرطبة باختيار ابنه أبي الوليد محمد بن جهور ليكون حاكمًا عليهم ، والذي تمكن من انتهاج نهج والده في الحكم ، حيث عمل بسياسة الحزم حتى ساد الأمن والنظام في حدود دولته ، وقد قام بتقريب أبي مروان بن حيان مؤرخ الأندلس إليه ، حيث أصبح من خاصته بديوان السلطان .
فتنة داخل الدولة :
استمرت الأمور تسري على ما يرام لفترة من الزمن ، غير أن أبا الوليد بدأ يشعر بالتعب من الأمور السياسية التي أثقلت كاهله ، وكان لأبي الوليد ولدان ، والأكبر هو عبدالرحمن ، والابن الأصغر هو عبدالملك الذي تميز عن أخيه الكبير في شهامته ، وهو ما جعل أبو الوليد يعقد النية على ترك زمام الحكم إلى ابنه الأصغر بعد تخليه عن الحكم .
تقديم عبدالملك :
قام الكثيرون من المقربين إلى أبي الوليد بتقديم نصائحهم إليه كي يتخلى عن فكرة تقديم ابنه الأصغر على الأكبر ، ولكنه أصرّ على تقديم ابنه الأصغر عبدالملك ، وبالفعل طلب من الناس مبايعته ، غير أن هذا الابن لم يكن بقدر المسؤولية ولم يتبع نظام الحكم العادل ، حيث أنه مضى بين الناس بالظلم والاستبداد بالسلطة ، كما أنه استباح أموال المسلمين ، ونشر بينهم الفساد ، وأهمل أمورهم الشرعية .
حلّ الخوف والظلم في دولة بني جهور بدلًا من الأمان والعدل ، وتجبرّ عبدالملك وتعاظم تسلطه ، حيث خالف سيرة والده وجده ، وقام عبدالملك خلال سنة 440 هجريًا بمنح أمور الحكم إلى أبي الحسن إبراهيم بن يحيي وهو وزير أبيه المعروف باسم “ابن السقّاء” ، وقد تمكن أبو الحسن من ضبط نظام الأمن حتى عاد العدل ليسود بين الناس .
وكان هناك من يترقب سقوط قرطبة من أجل الانقضاض عليها ، حيث أن المعتضد بن عباد كان ينتظر بشغف هذه الفرصة ، وحينما وجد أن الأمور قد استقرت على يد الوزير أبي الحسن ؛ أدرك أن حلم وقوع قرطبة في قبضته يبتعد عنه ، مما جعله يفكر في الطريقة التي تُمكنه من الوصول إلى حلمه ، فبدأ في العمل على الوقيعة بين عبدالملك بن جهور وبين الوزير ابن السقّاء .
بدأ المعتضد في بث سمه في ذهن عبدالملك ، حيث أرسل إليه من يحذره من مطامع الوزير ورغبته في الاستئثار بالسلطة ، كما أرسل إلى الوزير من يُلقي في قلبه حب السلطة ، وكان عبدالملك رجلًا سيء الرأي لا يحسن التفكير ، فقام بقتل وزيره سنة 455 هجريًا ، ثم انفرد بالسلطة ، مما جعله يعود لتجبره وطغيانه .
حينما وجد الأخ الأكبر عبدالرحمن هذا الاستبداد من أخيه ، فكر في أحقيته في السلطة منه ، فأصبح الطرفان يحاولان استمالة طائفة من الجند إلى كل منهما ، وبدأت الفوضى تعم أرجاء قرطبة ، وحينها كان أبو الوليد لازال على قيد الحياة ؛ فخشي على ولديه من سوء العاقبة ، مما جعله يقوم بتقسيم السلطة بينهما خلال سنة 456 هجريًا .
جعل أبو الوليد مهام خاصة لكل من ولديه اللذين قبلا القسمة ، ولكن عبد الملك قد تغلب على عبدالرحمن ، حيث قام بسجنه ، كما حكم عليه بالإقامة الجبرية داخل بيته ، وزاد استبداد عبدالملك ، ونشر الفساد والأذى بين الناس ، مما جعل أهل قرطبة ينصرفوا عن بني جهور .
نهاية بني جهور :
بعد انتشار الفساد في قرطبة بسبب حكم عبدالملك وحاشيته ؛ جعل النهاية تقترب من بني جهور ، وكانت قرطبة محط اهتمام الممالك المجاورة ، وخلال هذه الاضطرابات في قرطبة تمكن صاحب طليطلة المأمون يحيي بن ذي النون من الإغارة عليها ، حتى سقطت بني جهور إلى الأبد .