إن لله سبحانه وتعالى في الكون سنن وقوانين فكل شيء في الكون يسير بقدرٍ معلومٍ ومحكم ، ولقد جعل الله ظواهر الحياة وأحداثها بما تدركه عقول البشر ، ولقد استثنى الله عز وجل أنبيائه ببعض المعجزات الخارقة للعادة تأييدًا لهم في دعوتهم ، وقد أعطى الله سبحانه وتعالى بعض الآيات لبعض عباده الصالحين إشارة من الله عز وجل لهم بأنهم على طريق الحق .
ومن بين تلك الأمور الخارقة للعادة هي أن يتكلم طفل رضيع في المهد قبل أن يكون في سن يسمح له بذلك ، وهذا لا يتصوره عقل ولكنها رسالة من الله عز وجل للعالمين على بديع خلق الله ، ومن بين الأشخاص الذين تكلموا في المهد ما جاء في حديث رسول الله صل الله عليه وسلم .
حين قال : { لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ عِيسَى ، وَكَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ جُرَيْجٌ كَانَ يُصَلِّي جَاءَتْهُ أُمُّهُ فَدَعَتْهُ فَقَالَ : أُجِيبُهَا أَوْ أُصَلِّي فَقَالَتْ : اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ وُجُوهَ الْمُومِسَاتِ وَكَانَ جُرَيْجٌ فِي صَوْمَعَتِهِ فَتَعَرَّضَتْ لَهُ امْرَأَةٌ وَكَلَّمَتْهُ ، فَأَبَى فَأَتَتْ رَاعِيًا فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَوَلَدَتْ غُلَامًا فَقَالَتْ: مِنْ جُرَيْجٍ فَأَتَوْهُ فَكَسَرُوا صَوْمَعَتَهُ وَأَنْزَلُوهُ وَسَبُّوهُ } .
فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ أَتَى الْغُلَامَ فَقَالَ: مَنْ أَبُوكَ يَا غُلَامُ ؟ قَالَ: الرَّاعِي! قَالُوا: نَبْنِي صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ قَال:َ لَا إِلَّا مِنْ طِينٍ ، وَكَانَتْ امْرَأَةٌ تُرْضِعُ ابْنًا لَهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ رَاكِبٌ ذُو شَارَةٍ فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ ابْنِي مِثْلَهُ فَتَرَكَ ثَدْيَهَا وَأَقْبَلَ عَلَى الرَّاكِبِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ! ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهَا يَمَصُّهُ .
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمَصُّ إِصْبَعَهُ ثُمَّ مُرَّ بِأَمَةٍ فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ ابْنِي مِثْلَ هَذِهِ فَتَرَكَ ثَدْيَهَا فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا! فَقَالَتْ لِمَ ذَاكَ؟ فَقَالَ: الرَّاكِبُ جَبَّارٌ مِنْ الْجَبَابِرَةِ، وَهَذِهِ الْأَمَةُ يَقُولُونَ: سَرَقْتِ زَنَيْتِ وَلَمْ تَفْعَل ) رواه البخاري ومسلم
أولاً : نبي الله عيسي عليه السلام :
لقد نفخ الله عز وجل في بطن مريم عليها السلام من روحه سبحانه وتعالى لتكون آية للعالمين ، ولقد أنعم الله على سيدنا عيسي عليه السلام بمعجزاتٍ كثيرة لتبرهن على بديع خلق الله ، ومنها أنه تكلم وهو رضيع ليبرأ السيدة مريم في معجزة عظيمة ، فعندما عادت السيدة مريم إلى قومها ومعها ابنها سيدنا عيسي وبدأ الهمز واللمز ومن أين لك بهذا الطفل ؟
لم تتكلم ولكنها أشارت إلى الطفل وتعجب القوم كيف سيتكلم الرضيع ؟ ولكن أنطقه الله سبحانه وتعالى بمعجزة من عنده وتتجلى تلك الصورة في سورة مريم حين قال الله سبحانه وتعالى : {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} {سورة مريم ، الآية 29 ، 30} .
ثانيًا : ابن الراعي صاحب جريج العابد
كان جريج رجلًا من بني إسرائيل وكان عابدًا كثير التعبد لله سبحانه وتعالى ، واتخذ من صومعته مكانًا للعبادة يبتعد فيها عن الناس ، وفي يوم من الأيام أتته أمه وهو يصلي لله وقالت له يا جريج : فقال جريج يا ربي أمي وصلاتي فكان حائرًا أيهما يختار ؟ واستمر في صلاته فانصرفت أمه وفي اليوم التالي أتته أمه أيضًا وهو يصلي ، وقالت يا جريج : فقال جريج أمي أم صلاتي ؟
فأقبل على صلاته ثم انصرفت أمه مرة أخري وتكرر هذا ليوم أخر ، فدعت عليه أمه وقالت اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات ، وبعد ذلك أراد بني إسرائيل أن يفتنوا جريجًا وكانت هناك امرأة ممن يمتهنون البغاء كان جمالها فتنة فاتفقوا معها على فتنته ، وبالفعل ذهبت إليه ولكن جريج لم يلتفت لها وكان هناك راعيًا يأتي إلى صومعة جريج فأمكنته من نفسها .
وعندما وضعت طفلها من الراعي قالت إنه من جريج ، فتجمع بني إسرائيل وأنزلوا جريج وهدموا صومعته وضربوه وأذوه ، فسألهم عن سبب ما فعلوه فقالوا : إنك زنيت بتلك المرأة فولدت منك فقال لهم أين الصبي ؟ فجاءوا بالصبي ثم قام فصلي وبعد ذلك وضع إصبعه على بطن الصبي وقال له من أبوك ؟
فتكلم الصبي وقال إنه الراعي فلان وأخبر اسم أبيه ، وهنا نطق الصبي بمعجزة برأت جريج العابد من هذا الإثم فسبحان الله عز وجل ، وهنا أقبل بنو إسرائيل يريدون أن يبنوا صومعةً لجريج من ذهب ، ولكنه قال لهم أعيدوها فقط من طين كما كانت من قبل .
ثالثًا : وليد كان يرضع من أمه
تمنت أم هذا الرضيع ذات يوم أن يكون مثل رجل وجيه يمر بها وهي ترضعه ، لكن هذا الرضيع أنطقه الله عز وجل وقال اللهم لا تجعلني مثله ، وقد كان هذا الرجل بالفعل جبارًا في الأرض ، وبعد ذلك مرت عليهم امرأة كان يتهمها الناس بالزنا ويجرونها على الأرض أمامهم ، فقالت الأم : اللهم لا تجعل ابني مثلها .
فأنطق الله الرضيع وقال : اللهم اجعلني مثلها فقد كانت تلك المرأة مظلومة واتهمها الناس بالباطل ، هؤلاء هم الثلاثة الذين ذكرهم حديث رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، ولكن يتوارد في الأثر آخرون وهم :
رابعًا : ذكر في قصة أصحاب الأخدود وعندما كان يلقي الكفار بهم في النار ، أنه كان هناك امرأة تحمل رضيعًا ومن خوفها على رضيعها تأخرت وتشبثت به حتى لا يحترق معها في تلك النار الحامية ، ولكن ربط الله سبحانه وتعالى على قلبها حينما نطق الرضيع وقال لها : يا أمي اصبري إنكِ على الحق .
خامسًا : يذكر أن ماشطة فرعون عندما وقع منها مشطًا قالت : بسم الله ولما علم فرعون بما قالته علم أنها أمنت بالله وكفرت به ، فأمر بإلقائها في النار وهنا نطق رضيعها : وقال لها لا تتقاعسي إنك على الحق .
سادسًا : وأيضا يتوارد في الأثر أن ممن شهد ببراءة سيدنا يوسف من التهمة التي ألصقتها به زليخة ، هو رضيع نطق ببرائته وتلك هي المعجزات التي حدثت لأطفالٍ صغارٍ تكلموا في المهد ، وقد أرسلها الله عز وجل لعباده ليحق الحق ويزهق الباطل .