خرج رسول الله إلى بدر ، هو والمؤمنون للاستيلاء على قافلة لقريش ، كانت مع أبي سفيان ، وهو في قلة من العدد ، فلما بلغ أبا سفيان خبر خروج النبي صلّ الله عليه وسلم ، بعث إلى مكة ضمضم بن عمرو ، يستنفر قريشًا لأجل أموالهم ، ونجا أبو سفيان بالعير ثم بعث إلى قريش ، إن الله نجا أموالكم فارجعوا .
أبا جهل ويوم بدر :
فقال أبو جهل : والله لا نرجع حتى نرد بدرًا ، فنقيم هناك ثلاثًا ، وننحر الجزر ، ونطعم الطعام ونشرب الخمور ، وتضرب علينا القيان ، وتسمع بنا العرب ، فلا يزالون يهابوننا أبدًا .
المقداد ويوم بدر :
وهكذا وجد رسول الله صلّ الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين أنفسهم مدفوعين إلى حرب ، لم يستعدوا لها ، مع كفار قريش فاستشار صلّ الله عليه وسلم أصحابه ، فقال أبو بكر فأحسن ، وقال عمر فأحسن ، وقال المقداد : يا رسول الله ، امض لما أمرك الله فنحن معك ، والله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى : أذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ، والذي بعثك بالحق ، لو سرت بنا إلى برك الغماد ، لجلادنا من دونه ، فقال له رسول الله صلّ الله عليه وسلم : خيرًا ، ثم قال : أشيروا عليّ وإنما يريد الأنصار .
سعد بن معاذ ويوم بدر :
فقال سعد بن معاذ : امض لما أردت ، فوالذي بعثك بالحق ، لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ، إنا لصبر عند الحرب ، فسر بنا على بركة الله .
الله وعدني :
فقال : سيروا على بركة الله وابشروا ، فإن الله وعدني إحدى الطائفتين ، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم .. ثم سار حتى نزل قريبًا من بدر ، فلما رأى صلّ الله عليه وسلم قريش استقبل القبلة ، ومدّ يديه وقال : اللهم إن تهلك هذه العصابة ، لا تعبد على الأرض .. فمازال يستغيث حتى سقط رداؤه ، فأتاه أبو بكر ، فأخذ رداءه فرداه ، ثم التزمه من ورائه ، ثم قال : يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك ، فإنه سينجز لك ما وعدك .
حكمة الله سبحانه وتعالى في آياته :
ويقول سبحانه وتعالى : { كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ } صدق الله العظيم .. ذلك أنه حين أفلتت قافلة قريش ووجد المؤمنون أنفسهم يواجهون حربًا لم يستعدوا لها ، كره بعضهم ذلك ، وقوله تعالى : لَكَارِهُونَ ، ليست طعنا في المؤمنين ، لأنهم خرجوا ولا خيل معهم إلا ثلاثة ، فكأن حيثية الكراهية ليست تأبيًا على أوامر الله ، ولكننا إذا أخذنا بالأسباب ، نرى أن المقاييس البشرية للحرب مختلة بين المؤمنين والكفار ، فالكفار مستعدون استعدادًا جيدًا للحرب ، معهم السلاح والفرسان ، وهم يزيد عددهم على تسعمائة ، بينما المؤمنون يتجاوزون الثلاثمائة بقليل !.
وانتصر المؤمنين :
ولكن الله سبحان وتعالى يريد أن يعلم المؤمنين ، أن النصر ليس بالعدد ، ولا بالعدة ، وإنما هو من عنده سبحانه وتعالى .