إن سير الصحابيات تنير الدروب بمواقفهن العطرة في عهد رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، ومن الصحابيات الفاضلات التي عُرفت بمواقفها النبيلة في عهد النبي هي الصحابية بريرة ؛ وهي مولاة للسيدة عائشة رضي الله عنها ؛ بعد أن انتشلتها من ذل العبودية والقهر اللذين عاشت بهما قبل أن تحررها السيدة عائشة رضي الله عنها .
عاشت بريرة حياة حزينة ؛ نتيجة لما كانت تشعر به من ذل في العبودية ، ولكن بمجرد أن قامت السيدة عائشة بتحريرها ؛ شعرت بالسعادة وتنفست الحرية ، كانت بريرة تسعى إلى الجهاد في سبيل الله مع السيدة عائشة ؛ حيث كانت تقوم بالذهاب مع السيدة عائشة مع الصحابيات الأخريات من أجل سقاية المجاهدين في سبيل الله ؛ وتطبيب جراح المصابين .
عاشت بريرة في كنف رسول الله صلّ الله عليه وسلم والسيدة عائشة رضي الله عنها ؛ حيث كانت تؤدي دورها في خدمتهما بإتقان ومحبة ؛ وتميزت بشجاعتها النادرة ، وكان لها العديد من المواقف المُشرفة مع أهل بيت رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، ومن أهم مواقفها حينما قام رسول الله بعد حادثة الإفك التي طُعنت فيها السيدة عائشة في شرفها ؛ بسؤالها عن أخلاق السيدة عائشة قائلًا : ” أي بريرة ؛ هل رأيتِ من شيء يُريبك من عائشة؟”، فأجابت بريرة قائلة : ” والذي بعثك بالحق ؛ إن ما رأيت عليها أمرًا قط أغمضه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها ؛ فتأتي الداجن فتأكله”.
كانت بريرة متزوجة من عبد أسود اسمه مغيث ، وحينما أرادت الانفصال عنه ؛ كان يجوب خلفها باكيًا حزينًا ؛ حتى تصل دموعه إلى لحيته ، حينما شاهده رسول الله صلّ الله عليه وسلم يفعل ذلك قال لعباس بن عبد المطلب :” يا عباس ؛ ألا تعجب من حب مغيث بريرة ؛ ومن بغض بريرة مغيثًا”.
رقّ قلب رسول الله صلّ الله عليه وسلم إلى مغيث ، وحاول أن يراجع بريرة في قرارها ؛ لعلها تعود إليه ، حينها قالت بريرة إلى الرسول الكريم :”يا رسول الله ؛ تأمرني؟” فأجابها الرسول قائلًا :”إنما أنا أشفع ” ، فقالت :” لا حاجة لي فيه ” ، ورفضت بريرة شفاعة رسول الله صلّ الله عليه وسلم في العودة إلى زوجها ؛ وقررت ألا تعود إلى مغيث.
ورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها أن بريرة كانت تمتلك ثلاث سنن ، وكانت إحدى تلك السنن أنها قد أُعتقت فخُيرت في زوجها ، وقال رسول الله صلّ الله عليه وسلم في ذلك :”الولاء لمن أعتق”، وقالت السيدة عائشة أيضًا عن بريرة أنها قد ذهبت إليها قائلة :”كاتبتُ أهلي على تسع أواقٍ في كل عام أوقية ؛ فأعينيني” فقالت السيدة عائشة :”إن أحب أهلك أن أعدها لهم ؛ ويكون ولاؤك لي ؛ فعلت” .
فقامت بريرة بالذهاب إلى أهلها ؛ وحينما قالت لهم ؛ رفضوا عرضها ، وعادت من عند أهلها ؛ وكان رسول الله صلّ الله عليه وسلم جالس ؛ فقالت :”إني عرضتُ ذلك عليهم ؛ فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم ” ، فقال رسول الله إلى عائشة :”خذيها واشترطي لهم الولاء ؛ فإن الولاء لمن أعتق “.
كانت لبريرة العديد من المواقف الطيبة مع الصحابة والتابعين ، وقد ورد عن عبدالملك بن مروان قوله : كنت أجالس بريرة بالمدينة قبل أن ألى هذا الأمر ؛ فكانت تقول لي : يا عبد الملك ؛ إني لأرى فيك خصالًا ؛ وخليق أن تلي أمر هذه الأمة ؛ فإن وليته فاحذر الدماء ؛ فإني سمعت رسول الله صلّ الله عليه وسلم يقول” إن الرجل ليُدفع عن باب الجنة أن ينظر إليها على محجمة من دم بريقه من مسلم بغير حق”.
تزينّت الصحابية الجليلة بريرة بالسيرة العطرة ؛ والتي ورد ذكرها في كتب السيرة النبوية الشريفة ؛ نظرًا لأنها تمتعت بحسن الخُلق وقوة الإيمان والشجاعة والسعي إلى الجهاد من أجل الدين الإسلامي ، وذُكر أنها قد توفيت رضي الله عنها خلال فترة عهد يزيد بن معاوية .