يريد الله أن يلفتنا إلى إننا يجب ألا نترك الفتن والمعاصي حتى يستعصي حلها وتصبح كبيرة ، بل لابد أن نواجهها وهي صغيرة لأنه في هذه الحالة إذا نزل العقاب فإنه لا يصيب الذين ظلموا فقط ولكنه يصيب أيضا من تركوا هذه الفتن تكبر وتزداد .

مواجهة المعصية :
ولذلك إذا رأيت أي انحراف في أي شيء فاضرب على يد المنحرف فإن المعصية تكبر إذا تركت ، فالذي تمرس في الاجرام حتى أصبح زعيم عصابة مثلا لم يبدأ المعصية هكذا ، بل أنه ربما أول ما سرق سرق من أبيه أو من أمه أومن أخيه ، ولم يعاقب ، فسرق من الجيران ، ثم بدأ يسرق من الحي ، ثم اجتمع مع عدد من الأشرار وكون العصابة ، فلو أنه ضرب على يده في الجريمة الصغيرة ، لما أصبح زعيم عصابة إياك أن تقول إن هذا الشيء مادام لم يمسني فليس من شأني لأن الذي اعتدى على غيرك من السهل أن يعتدي عليك .

قصة الثور الأبيض :
وكلنا نذكر مثلا قصة الثور الأبيض والثور الأحمر ، عندما جاع الأسد تركه الثور الأحمر يأكل الثور الأبيض ، مادام لم يتعرض له بأذى ، ثم لما جاع الأسد انطلق ليفترس الثور الأحمر الذي قال : أنا أُكِلت يوم أُكل الثور الأبيض ، لأني لو وقفت يومها مع الثور الأبيض نواجه الأسد وقاومناه لما جرؤ على أن يفترس أيا منا .

العبرة من قصة السيدة مريم :
ولكن لماذا يعم العقاب ؟ لأنهم لم يضربوا على يد صاحب الفتنة الأولى وهي لا تزال صغيرة ، فالأب مثلا إذا وجد الابن أو الابنة إذا أحضرا أشياء من الخارج وهو لم يعطيهما ثمنها فلابد أن يسألهما من اين لك هذا ؟ ، ولنا في قصة سيدتنا مريم وسيدنا زكريا العبرة والعظة حين سألها لما وجد عندها رزق لم يأت به ، وكان عليه السلام كافلها ، والقائم على أمرها فقال لها :  أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ ..

العقاب :
إذن يجب أن يضرب على يد كل معتد ، ولذلك فإن الحق سبحانه وتعالى في عقوبة القتل ، الذي هو قمة المفاسد ، جعل الدية على العائلة حتى يضربوا على يد من تسول له نفسه قبل أن يرتكب الجريمة ، والناس إذا رأوا الظالم ولم يضربوا على يده يوشك أن يعمهم الله تعالى بعقاب من عنده ، لأنه ما استشرى هذا الظالم في ظلمه إلا لأن الناس سكتوا على هذا الظلم ، وأنت حين تتستر على من يفعل شرا لتتقي بذلك شره فإنه لابد وأن سيأتي الذي يصيبك منه شرٌ كبيرٌ .

قول سيدنا أبي بكر الصديق :
ولذلك فإن سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : إنكم تقرؤون آيه في كتاب الله على غير وجهها ، تقرؤون قوله سبحانه وتعالى : لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ ، ومن هدايتكم أن تضربوا على يد صاحب المنكر لأن هدايته ستنعكس عليكم وعلى المجتمع كله بالخير .

قول الرسول وتوضيح الأمر :
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعطينا المثل الذي يعطينا الصورة الكاملة فيقول صلى الله عليه وسلم : مثل المدهن في حدود الله والواقع فيها مثل قوم استهموا سفينة فصار بعضهم في أعلاها ، فكان الذين في أسفلها يمرون بالماء على الذين في أعلاها فتأذوا به ، فأخذ فأسا فجعل ينقر أسفل السفينة ، فأتوه فقالوا : مالك ؟ قال : تأذيتم بي ولابد لي من الماء ، فإن أخذوا على يديه أنجوه وأنجوا أنفسهم ، وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم ..

هذا الحديث يقسم الناس إلى قسمين : قائم على حدود الله وواقع فيها ، وقد ركبوا سفينة ، والسفينة لها أعلى وهو السطح ، وأسفل ، ومعنى استهموا على سفينة : أي لم يوجد قوى فرض سلطانه على غيره ، لأنهم ماداموا استهموا أي أجروا قرعة وهذا يحدث كلما اختلف الناس على شيء منهم يجرون القرعة لحسم الخلاف ، فقد حسموا الأمر بينهم .

وكان الذين في أسفل السفينة ، إذا أرادوا الماء ، صعدوا إلى السطح ليلقوا الدلو ويحضروا الماء ، فقالوا : نحن نؤذي المقيمين على السطح ، ونتعب صعودًا وهبوطًا ، فلو أننا خرقنا في الجزء الخاص بنا خرقا نأخذ منه الماء لكان ذلك مريحا ، بالنسبة لنا ، فلو أنهم تركوهم يخرقون الخرق الذميم يريدون لهلكوا جميعا ، ولو أنهم أخذوا على أيديهم لنجوا جميعاً .

كل مسئول في مكانه :
وليس معنى هذا أن على كل انسان تطبيق العقوبة ، فهذا خاص بولي الأمر ، ولكن العامة مأمورون أن يستخدموا اللسان والقلب في استنكار الفتن التي تحدث ، وكل منا مطالب بأن يضرب على يد من هو تحت ولايته ، فلأب له زوجته وأولاده ، ورئيس المصلحة له من يعملون تحت رئاسته والحاكم له عموميته .

ولو كل واحد منا فعل هذا في نطاقه ما وجد فساد ، فالمجتمع مكون من أسر ، فإذا ما منع رب الأسرة الفساد فيها اتجه المجتمع كله للصلاح ، وكل عمل له رئيس مسئول عنه ، لو منع الرئيس الفساد لامتنع الفساد في المجتمع وبقي بعد ذلك الأمر العام للحاكم ، وفي حديث : كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته .

By Lars