قال الله تعالى : {قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ قَتُورًا } ، الخزائن هي ما يحفظ فيها الشيء النفيس ، الذي له قيمة ، قال تعالى : {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ }.
أي أن كل شيء عند الله تعالى موجود ، وحينما تحين ساعة ميلاده يبرزه إلى عالم المشاهده ، ولذلك الحق سبحانه وتعالى حينما تحدث عن خلق السماوات والأرض ، قال سبحانه : { قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ۚ ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ} ..
أي أن الحق سبحانه وتعالى قدر الأقوات للمخلوقات جميعًا ، ووضعها في الأرض يوم أن خلقها ، والقوت هو ما به استبقاء الحياة ، وهو ناشئ من الأرض التي تخرج الزروع والثمار .
تشابه عناصر التربه وجسم الانسان :
إن الحق سبحانه وتعالى يعطي تصديقات من طموحات العلم فيجعل العلم يهتدي إلى أشياء ذكرها القرآن منذ نزوله قبل أربعة عشر قرناً من الزمان لذلك عندما حللوا عناصر الإنسان يوم حللوها وجدوها ستة عشر عنصر رئيسي ، بدأت بالأكسجين ثم الكربون والنيتروجين والهيدروجين والفوسفات والفسفور والحديد والصوديوم والكلور .. إلى أن ولت إلى المنجنيز ، أي أنها ستة عشر عنصراً رئيسيا وبعد ذلك عندما حللوا تربة الأرض التي تنبت الزرع ، وجدوا أنها ستة عشر عنصرًا رئيسيًا أيضًا .
ارتباط الانسان بالطين :
إذن الله سبحانه وتعالى خلقنا من طين ، ويطعمنا من عناصر هذا الطين أيضا وهذا ما أثبته العلم لأن الزرع يخرج من الطين وفيه عناصر هذا الطين .. الذي خلق منه الانسان ولكن كيف يأتي هذا الطين وما طريقة تكوينه ؟ ..
الطين يأتي من الجبال فالشمس تلقي بأشعتها على الجبال فتحدث فيها حرارة ، وبعد ذلك يأتي برد الليل فيحدث تشققا في هذه الجبال ، ثم يأتي المطر فيفتت مادة هذه الجبال ويجرفها معه إلى الوديان حيث تحمله الأنهار ، وهو ما يسمى : الطمي أو الغرين ، وهي التي تخصب التربة وتعطيها الطبقة الطينية ، التي ينبت فيها الزرع.
الجبال مخزن الأقوات :
إذن .. الجبال هي مخازن الأقوات ، فحين يذكر الحق سبحانه وتعالى البركة في الأرض وتقدير الأقوات فيها بعد ذكر الجبال فهو بذلك يعطيا تسلسل العملية ، ولو لاحظنا تكوين الجبال والوديان لوجدنا الوادي هو منخفض بين جبلين ، والجبال دائمًا لها قمم فليس هناك جبل مسطح بدون قمة ، هذه القمة مثل رأس المثلث ، والوادي على العكس مثلث قاعدته في أعلى ورأسه في الأسفل ، فحين ينزل الطمي أو الغرين من قمة الجبل ينزل في الوادي فترتفع أرضه شيئًا فشيئًا .
مدينة دمياط كمثال :
ولذلك فإن مدينة دمياط مثلا كانت فوق البحر مباشرة ومع استمرار تدفق الطمي مع فيضان النيل سنوات طويلة ، وسع مساحة الأرض على ساحل البحر ، ولما امتنع الغرين بعد بناء السد العالي وتوقف الفيضان بدأت هذه المساحات في التراجع والتآكل بفعل احتكاك مياه البحر بالأرض .
تفسير سبب البخل :
إذن .. قوله تعالى : وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا ، وهنا قد كشف الله تعالى لهم صدقه ، بمنطق العلم الحديث الذي يفهمونه ، ولكن لأن الانسان دائمًا حريص وشحيح فحتى خزائن رحمة الله مع عظم اتساعها وضخامتها والتي لا يعلم ما فيها إلا الله تعالى ، لو ملّكها سبحانه وتعالى لهؤلاء الناس لأمسكوا عن الانفاق منها خشية أن تنفذ ، لأن الانسان مجبول على أنه ، قتور ، يخشى على ما عنده من النفاذ حتى لو كان هذا الشيء هو خزائن الله سبحانه وتعالى ، والتقتير يكون على النفس ، والبخل يكون على الغير .